حقبة في مذكرات كشاف يزعم انه قائد “
تازمامارت أو منفاي الاختياري ،حقبة في مذكرات كشاف يزعم انه قائد “
سيدي ساري خمس كيلومترات بعد سيدي رحال في اتجاه أزمور نهاية ربيع 1999 وبالتحديد يوم الخميس 14أبريل الخامسة والنصف وصلنا مخيم وردة المحيط rose d océan ، وضع السي بنكيران رزمة مفاتيح وقفل راجعا من حيث أتينا ضاربا لي موعدا يو السبت القادم ، لم يبرح سيارته حتى ،حملت امتعتي إلى قاعة قبالة الباب الرئيسي ، من خلال موقعها وشكلها ومحتواها علمت أنها قاعة الاستقبال .مكتب حديدي وثلاث كراسي وأريكة جلدية كبيرة ، صورة للملك وصورة لمنظر طبيعي لواحة في الجنوب من نوع ” المغرب السياحي ” جلستً على الدرج وأشعلت اول سجارة في هذا المكان افكر في ما انا قادم عليه ، طائرة او سفينة تركتني في هذا المكان والذي لم اسمع به من قبل ولم احدد موقعه أثناء الطريق لانشغالنا بالحديث . كل ما اعرف انه بعد سيدي رحال في اتجاه أزمور . جلست طويلا بدأ الغسق يضفي على المكان لونه الحزين ، استرجع كيف بدأت هذه المغامرة رجعت اربع اشهر يوم فاتحتني أختي آسية في أمر تسيير مخيم لاحد أصدقاء عائلتها ، لم أتردد. واتصلت بعدها بايام لتحديد موعد مع السي بن كيران في اقرب زيارة لي للبيضاء ، كان ذلك بعد اجتماع للفرقة الوطنية بعد أنشطة الربيع التقيت به في مكتبه كان لقاءا للتعارف وضربنا موعدا لزيارة المخيم ، موعد وزيارة لم تتم حتى كلمني قبل أسبوع وطلب مني لقائه في مكتبه يوم الاثنين 12 أبريل ، ضننت انه لقاء لزيارة المخيم والتعرف على المشروع لكنه فاجأني بأنه سيبدأ العمل يوم الخميس المقبل ، لم أعقب ولم اطلب مهلة بل رجعت إلى منزل سعاد أختي وأخبرتها بالأمر ، زودتني بجراب وغطاء وفوطة ونعل بلاستيكي ، يوم السفر ذهبت للموعد في الواحدة لكن انشغالاته الطارئة جعلتني انتظر في مقهى بشارع جامعة الدول العربية حتى الثالثة والنصف ركبنا السيارة وانطلقنا في صمت ، لم يبدأ الحديث الا بعد خروجنا من البيضاء في اتجاه أزمور ، تكلم عن عمله وعن كيف جاءت فكرة المشروع وكيف بني المشروع وتوقعات نجاح المشروع والصعوباته ،يقطع حديثه ليخبرني بتاريخ المنطقة او تهور أصحاب سيارات الأجرة ، لم انتبه للطريق وأخد معطيات تفيدني في التموقع وتحديد المعالم حتى وصلنا قرية او مدينة شوارع عريضة شبه خالية وغبار متطاير وأعمدة ولوحات إشهارية محطمة ودعائم حديدية مطوية كأنها أسلاك . أدهشني عندما اخبرني أننا بسيدي رحال وان عاصفة قوية ضربتها ، كنت قد زرت مصطاف سيدي رحال كان يعج بالحياة والخضرة والناس ، لم اعرفه ولم أتوقع ان تكون هكذا ، شبه خالية مقفرة وقاحلة غبار وخراب … ما ان غادرنا سيدي رحال حتى عاود الحديث إلى ان وصلنا هنا فتح شخص الباب واختفى وبعدها اختفى هو كما يختفي النهار هذا اليوم …
لم أعر للوقت اهتماما وحل السكون أطيل النظر عبر البوابة الحديدية وما حولي من بنايات ، يخرجني من تيهي ضجيج سيارة عابرة أو وقع حوافر دابة تجر عربة تخبط الازفلت يتصاعد الإيقاع مقتربا ويبدأ في الانخفاض حسب سرعة الدابة ثم أعود لشرودي ويعود السكون المطبق . وقفت بومة على حافة البوابة نعقت بصوتها المعروف وتطيّرت من صوتها رغم يقيني انه ليس له سبب . اضطررت للبحث عن أزرار الكهرباء على ضوء الولاعة ، أعطاني الضوء الأبيض الوهاج من القاعة قليلا من الطمأنينة جلست على الأريكة ولا أدري كم من الوقت لان الوقت سيتوقف منذ اليوم والى إشعار آخر . نمت على الأريكة بكامل عدتي ، نظارتي وحدائي على فكرة اني سأدير مخيم ليس كا لمخيمات التي أدرتها ، أدرت مخيمات أطفال ومع مجموعة وبتطوع ما انا قادم عليه إدارة مخيم استتماري ووحدي ولوقت غير محدد ،لكن دخلته كما أدخل أي مخيم جراب على ظهري … ما الفرق ؟؟!!
أحسست ببرد شديد سحبت الغطاء من الجراب وعاودت النوم حتى ايقضني شعاع الشمس في عيني لم أبرح مكاني يداي تحت راسي أسرح في سقف القاعة صراخ العصافير ونهيق حمار في سكون الصباح او غثاء قطيع ذاهب إلى المرعى ، اضن أنها ستكون عادة كل صباح هنا ، جلس وأشعلت سجارة وأحتسي ما تبقى من قنينة ماء معدني وكأني احتسي قهوة الصباح وأكلت ما جلبته معي ، علبة بسكويت من نوع هينريس وقطعة كعك كل ما املك من زاد ، أشعلت سجارة أخرى ونهضت قائلا لنفسي وكأني أخاطب شخصا” ce qui est fait et fait انا هنا دابا” لبست سروال قصير وقميصا ونعلي وانطلقت استكشف المكان لأول مرة …فتحت الباب الحديدي على الطريق العام عن يمين ويسار المخيم ارض شاسعة خالية وطريق رملية بمحاذاة سور المخيم المرتفع بثلاث أمتار ، ينتهي بكثبان رملية ومنها إلى البحر ، عن بعد بنايات تحيطها أشجار اغلبها من الكليتوس والكرم .رجعت وأغلقت الباب عن يمين المدخل بنايات جربت المفاتيح كلها وفتحت القاعة الأولى ثلاث أمتار مربعة ونافذة تطل على المدخل تركت فيها مفتاحها وانطلقت أعاين البنايات المجاورة اترك في كل باب مفتاحها . خلف قاعة الاستقبال فسحة خضراء تم قاعة كبيرة بمرافق عرفت أنها المطعم ، درج يأدي إلى سطح بانورامي كبير ببلاط احمر وحافة بأعمدة إسمنتية تشرف على كل المخيم ، منظر رائع ، خلف القاعة والسطح مكاتب ودكاكين تحتوي على آلات للصيانة وتجهيزات المطعم من طاولات البلاستيكية بيضاء وكراسي لم تستعمل من قبل خلفها وفي وسط المخيم المسبح الكبير مرتفع عن الأرض بمترين وتحته غرف فيها معدات لتصفية الماء ولوحات كهربائية للتحكم في المدخات والبئر ‘ مباشرة بعد المسبح ساحات للتخييم تتخللها ممرات بعرض أربعة أمتار تقربا يمكن لسيارتين المرور بكل سهولة وفي الناحية الأخرى ساحات تشبه مواقف للسيارات كبيرة ، وبعد الساحة حاجز من الأشجار الكثيفة تحجب ما ورائها وعلى الجانب بوابة عندما وصلتها بدأت كلاب تنبح وفتح أحدهم الباب ، حارس المخيم كان الشخص الدي فتح لنا الباب بالأمس واختفى ، سلمت عليه وأخبرته باسمي ، بدوي إلى حد لا تكاد تسمع منه شيئ سوى واه أسيدي ، اخبرني ان سي بنكيران قد اعلمه بمجيئي من قبل وان عليه مساعدتي في ما احتاجه ، أدخلني إلى جناحه وفتح لي مخزنا فيه كل شيئ ولا شئ ، براميل، آلات فلاحية ، مواد بناء ، مواد كيماوية ، قنينات فارغة ، إطارات سيارات … ثم أغنام ودواجن ، خرجت وهو يتبعني ، فتح لي بابا حديدي يأدي مباشرة إلى الشاطى وقفت على تل الرمال أعاين البحر ، مساحة من صخور ناثأة وممرات رملية ضيقة وحزام رملي ضيق بمحادات الماء ، قبة عن بعد أميال اخبرني ان المنطقة تسمى بإسم صاحب القبة سيدي ساري رجعت المخيم أكمل جولتي ، بمحاذاة السور الأيسر وقابلة المسبح خزان ماء كبير فوق البئر مباشرة نزلت الأدراج تم السلم حتى بلغت حفرت البئر ،جميع الساحات عارية الا من عشب وشجيرات ذات أزهار حمراء وأشجار على طول السور ، وأشجار كليتوس تم غرسها حديثاً لا تكاد تصل إلى الخصر ونخيلات هنا وهناك . عاودت تجربة ما تبقى من مفاتيح في كل باب وجدته ورجعت إلى نقطة البداية تعب من الجولة لم اكن اعرف ان عشر هكتارات شاسعة بهذا القدر، زاد من ذلك حراة الشمس والريح الساحلية في مثل هذا الوقت ،عبأت قنينة الماء من صنبور قرب القاعة لفظته مع اول جرعة لملوحته ذكرني بماء عين كنا نشرب منها عندما كنا نلعب في بساتين خارج المدينة – فاس- بقرب الواد المالح ،اتضح انه كل ما لدي لعدم توفر المنطقة على شبكة للماء الصالح للشرب ، شربت واضفأت ضمأي، وما لبث ان شعرت بالجوع رجعت إلى مسكن الحارس ليرشدني إلى اقرب دكان لم أجده أولم يسمعني ، خرجت إلى الشارع واتجهت إلى البنايات المجاورة لعلّي أجد شيئا ابتاعه او من يدلني . وجدت اناسا جالسون تحت سقيفة يتسامرون حول كأس شاي ، القيت التحية وسألتهم عن دكان او مقهى ، أشاروا جميعا الى باب حديدي نصف مفتوح خلفهم ، دخلت فوجدته دكان متعدد الاختصاصات ، كل شيء من الخضر والبقالة حتى العقاقير ، اشتريت علبتي سردين من النوع الرخيص طماطم وبصل وعلبتي سجائر من النوع الرخيص ، ليس اقتصادا بل الموجود فقط ، الخبز حسب الطلب لكنه زودني بواحدة من منزله الخاص وطلبت خبزا للغد ، اشتريت سكينا صغيرا وصحنا بلاستيكيا وكوبا واربع علب من البسكويت ” هنريس” وخرجت بعد ان القيت نظرة عن محتوى الدكان . اعددت اول وجبة لي هنا طماطم وبصل وسردين جالسا فوق العشب قرب المدخل ، مر وقت وانا جالس لا أفكر في شيء ، قبل الغروب قمت بجولة جمع المفاتيح وترتيبها ، وطلعت السطح وجلست على حافته اراقب غروب الشمس ، بدأت اصوات النهار تختفي وتحل محلها اصوات الليل نهيق حمير عن بعد واصوات غنم راجعة الى حضائرها ، وصوت البحر اكثر وضوحا . غسلت اطرافي من غبار النهار ورجعت الى اريكتي اقرء رواية لألان فورنيي Alain Fournier le grand meaulnes ثم نمت لا اعرف متى .
في اليوم الموالي استيقضت باكرا على نفس الاصوات ونفس الهدوء ونفس الشمس ، اكلت علبة البسكويت بالماء ودخنت سجارة بالماء وحدقت في نفس السقف … بدأ ثأتير حرماني من القهوة السوداء يظهر وذلك في اضطراب وعدم التركيز جعلني اتجه الى دكان المنطقة عله يرشدني أو يُعد لي واحدة ،لازلت اذكر ما قال لي ساعتها “زيد عا شْوٓي وتعود تلكها” كانت شوي التي قال عنها ثلاث كيلومترات وأزيد حتى ضننت اني سرت في الاتجاه المعاكس الذي قال عنه لكني وجودتها واخدت قهوة اتبعتها باخرى كنت الزبون الوحيد أو ربما الأول هذا الصباح ، مقهى بسيطة جداً على جانب طريق ، جلست أراقب حركتها ووجدت هاتفا عموميا تذكرت اني لم أكلم والدتي منذ أيام ، هاتفتها ، لم أجد غيرها في المنزل اخبرتها ان كل شيء على ما يرام ثم قفلت راجعا . مررت بالدكان اخدت حصتي من الخبز وزيتون اسود وعلبة نسكفيه وسكر وسردين ، لم انتبه ان ليس لي غاز ولا ابريق لاحضار قهوة ، لم أطل التفكير علبة مصبرات عالجتها وجعلت لها مقبض بسلك وقصب وفرنا حفرته واعددت قهوتي وانطلقت في جولة اخدتني الى قمت خزان الماء العالي المشرف على المنطقة كلها جلست هناك كثيرا ما دام ليس لي عمل …
لم يأت السي بنكيران الا صبيحة يوم الأحد اقترح علي ان نقوم بجولة للتعرف على المخيم ومرافقه وجدني اشرح له عن نواقصه وملاحضاتي في بعض الامور لم يعقب بل طلب القيام بما أراه ملاءم وان احدد له المتطلبات مما جعله يفتح المخازن والاطلاع على ما فيها من مواد وأدوات كما أرشدني الي كيفية تشغيل البئر لملإ الخزانات وكذالك المفاتيح المتحكمة في كهرباء المخيم . غادر قبل حلول الظلام بعد ان سلمني هاتفا محمولا . وزودني ببعض اواني الطبخ وقنينة غاز فارغة وبعض الخضر جلبها لي من البيضاء . فلفل اخضر بصل وطماطم ووحزمة قزبر ومقدونس ونعناع أدخلت الكل الى المكان المخصص لي للإقامة القاعة ، الأولى عن يمين المدخل مباشرة ، لم اجد فيها شئ ، ارض وحيطان فرجعت الى أريكتي ونمت باكرا وانا احدد في ذهني الأولويات … اسبواعان لم أكلم أحدا الا الحارس او صاحب الدكان او نادل المقهى ، نزلت الدار البيضاء يوم اثنين ذقت الأمرين للحصول على وسيلة نقل منذ استيقاظي في السابعة انتظر من يقلني ، وصلت منزل أختي سعاد في الواحدة استرحت وخرجت الى مقهاي المفضلة في جامعة الدول العربية، كثرة الزحام وضجيج السيارات ازعجني كثيرا فرجعت للمنزل سريعا اهيئ بعض المتطلبات ، غطاء اضافي وملابس جلبوها من فاس وبعض اواني الاكل التي تنقصني ، لاول مرة مند عشرين يوما أكل طعاما حقيقيا ، حريرة سعاد اللذيذة وطبق الغراتان بالجبن ، ثم فراش نوم حقيقي . في الصباح الباكر رجعت المخيم ، أذيت تذكرة كامل لازمور حتى لا اطيل الانتظار. وجدت في انتظاري حسن احد أبناء المنطقة استخدمه آسي بنكيران لمساعدتي في حفر قنوات الكهرباء وبناء نقط التزود بالكهرباء الخاصة بالمخيمين حسب تخطيط معين ، استغلت العملية زهاء الشهر .ثم ارسل كهربائيا من البيضإء لتمرير الأنابيب والأسلاك ، يبدو انه من قام بعملية تزويد المخيم وربطه بالكهرباء لمعرفته بالشبكة كلها ، لهجته المراكشية وكثرة كلامه ومزاحه استحق لقب البهجة ، كان البستاني يأتي مرتين في الأسبوع ، لا يتكلم كثيرا يدخل ويخرج من باب الشاطئ ، أساعده في تهديب الأشجار وسقيها وإزالة الحشائش الضارة . هكذا مرت الخمسون يوما لا يختلف يوم عن سابقه ، لكن كنت اطهو أشهى الأطباق بأبسط الاشياء ومرة اكتفي بالبيض او السردين او الجبن او الزيتون الاسود او الثين المجفف ، كان حارس المخيم يزودني بحليب طري أكله بخبز في الصباح واترك الباقي اصنع من جبنا طريا يذكرني مذاقه دائماً بجبن فاس والمعبأ في قطع ثوب الكتان …
نهاية شهر ماي جهزنا قاعات الأكل والسطح بالطاولات والكراسي والشمسيات كتجربة اولى نظفنا قعر المسبح استعدادا لملإه يوم الاثنين استغرقت العملية يومان كاملان ، كانت نشوة ان اكون اول الغاطسين ولكن في نفس الوقت بحزن لكوني السابح الوحيد مللت السباحة من اول يوم ، اكتفي بالغطس لأذهب حر الشمس او تعب التجوال ..
كثرة العصافير في المنطقة سببت بعض الفوضى وكثيرا من العمل بسبب فضلاتها ومحتويات أعشاشها وجلبها للزواحف خاصة الثعابين ، كم مرة فاجأتني عندما ارفع طاولة او كرسي او افتح بابا ، وجدت يوما بالمخزن صمغا لاصطياد الجردان جربته في الاماكن التي تدخل منه الطيور او تخرج كانت النتيجة مذهلة وصيد سهل ، أزيد من أربعين طائر دفعة واحدة ، تعبت من كثرة الذبح والسلخ ، لتوفير الجهد كنت استعمل تقنية تقشير بدرة الصبار -الهندية-اقتلع الريش بجلده . كم كانت لذيذة وجبة الغداء والعشاء يومها ، طجين البصل والبطاطا والفراخ عشرون فخا على الغداء وشربة الفراخ على العشاء واحتفظ بالباقي مملحا بمكان بارد لوجبة مقبلة ، اصطدت السحالي المنتشرة بكثرة أيضا من النوع الذي يسمونه ” رضاعة لبكر”لكنها هنا من الصنف الكبير تسمع حفيفها ودبيبها على الإسفلت , ادخل طرف انبوب الري في الجهر واطلق الماء بقوة فتخرج نصف ميتة من الغرق , اسلخها واجفف جلدها بالملح وانشراها في اشعة الشمس واصنع منها أغشية كما كنت احتفظ بجلد الثعابين التي أصادفها .قلت اعداد الطيور بشكل ملحوظ وقلت معها فضلاتها. جعلت من خزان الماء العالي برجا للمراقبة يشرف على المخيم كله من البوابة حتى الشاطئ ، وأراقب نوعا من الطيور المهاجرة تشبه طائر السمان لكنها أكبر استغلت شساعة المخيم وخلوه لبناء أعشاشها وتربية فراخها ،تبني اعشاشها في حفرة وتحيطه بالحجار ثم تضع بيضا يصعب تمييزها شكلا ولونا حتى الفراخ تاخد لون الحجارة ولا تتحرك ولو مررت قربها ،تكرر عملية نقل الفراخ من مكان لآخر وتنمو بسرعة هائلة ، لم يدخل هذا النوع من الطيور في قائمة غذائي الذي ظم السمك الطري الذي كنت اصطاد في فترات الفراغ الكثيرة خاصة بين العصر والمغرب . في يوم جمعة نزلت اصطاد على عادتي لم يكن الصيد وفير يومها لكن ضمنت وجبة عشاءإلا ان الثقة الزائدة في النفس وعدم إتخاد او التهاون في قواعد السلامة دفَّعني الثمن غاليا لأسبوع تقريبا لولا لطف الله ، نسيت لبس حذاء ونزلت الشاطئ كنت اعرف طبيعته الصخرية وحدة نتوءه ومسالكه ،واكتفيت بنعلي الخفيف في طريق العودة تعرقت قدماي وانزلقت ،احسست بوخز وألم في كاحلي ضننت التواء فقط لكني نظرت جرحا غائرا ابيض انفجر بدم قاني بعد تواني، لم اجد سوى قميصي حزمت به الجرح وأسرعت الخطى للمخيم ومع كل خطوة ألم فأنط على رجل احينا وأجرها أخرى لم أشعرطول المسافة إلا يومها ، وصلت المخيم رميت صيدي وعدتي وازلت القميص الملطخ بكثير من الدم عن الجرح وغسلته لأتفقده جيدا، اصابني دوار وقتها انه يحتاج لا محالة الى اربع غرز ,اعلم علم اليقين ان المخيم برمته لا يتوفر على علبة اسعافات ولو فارغة، كان تهاونا اخر مني ،ركبني الوسواس والهواجس والخوف والقلق ، اتحسس جبيني وامسح عرقا خفيفا وبارد ، وساوس تقدفني لوسواس أكبر ماذا لوتمزق الوريد واستمر النزيف ؟ ماذا لوأصبت بالإغماء ؟ ماذا لو وصل الجرح إلى عظمة الكاحل وتضرر؟ هاجس النزيف والاغماء وبعد مسافة والعمل … وأقرب مركز طبيي بسيدي رحال أو أزمور ومن سيوصلني مع شبه انعدام حركة السير في أيام الجمعة ،؟زاد الألم بالوسواس ،تذكرت قنينة شراب ضد السعال اشتريتها من ازيد من شهر أوهمت نفسي أنها تخفف الألم ، شربت محتواها وكأني احتسي القهوة وأخذت قميصا من حبل الغسيل قطعته على شكل ضمادات حزمت به مكان الجرح وتحاملت على نفسي وخرجت الى البوابة متكئا على معول علي اجد من يقلني الي مركز طبي مكث ساعة لم يمر احد الا عربات تجرها بهائم ، رجعت لغرفتي والهواجس تطاردني ، نمت ولا ادي كيف ؟اهو مفعول الشراب ام مفعول التعب ؟!! لكني نمت ويوقظني الالم فأعاود النوم حتى الصباح ، أول ما فكرت فيه الدكان متعدد الاختصاصات ، قصدته وانا اتوكأ على عصا المعول ، لم اجد شيئا سوى القرص الأزرق المعروف بالكينة اخدت اربع وعند خروجي شاهدت قنينات الكحول ـ سبيريتوـ اشتريت قنينتين وعلبة سجائر وحصتي المعتادة من الخبز وكيسين من حليب الاطفال ـ سيريلاك ـ وعدت لتغيير الضماد، تورم ونفخ ، سكبت شيئا من الكحول على مكان الجرح شدة الألم جعلتني آلهث وأتلوى عاودت العملية كلما جف الكحول حتى تعودت ألمه وقضيت يومي كله على الاريكة في قاعة الاستقبال ، انام واصحوا اقرأ او ادخن او احلم او اتذكر . اتصل بي السي بنكران يسألني عن طلباتي قبل مجيئه ،طلبت علبة إسعافات أولية ونوعان من الأدوية وابر حقن وحقنة الطيطانوس ، استفسرني عن خطب هذه الطلبات فاجبته بأنها ضرورية خاصة عندما سيبدأ توافد الزبناء وعلينا التحسب للطوارئ . لحسن الحظ تأخر يومها في انشغالات عائلية مما جعل زيارته خاطفة ، تحاملت على نفسي ولبست حذائي بألم شديد نتيجة تورم الجرح ، لاحظ مشيتي العرجاء بررتها بإلتواء بسيط ،امدني بالطلبات وقام بجولته المعتادة وغاب عني بانشغالات أخرى مع الحارس حتى غادر في المساء . حقنت نفسي بالطيطانوس وشربت مضادات حيوية، كنت استعملها كلما اصبت بآلات النجارة في فاس،لكني لم استطع تقطيب الجرح اكتفيت بتعقيمه واستخدام ضماد طبي حزمته كما تعلمنا في تداريب الاسعافات . دام استعمالي للعصا اربعة ايام ولم استحم ولم اسبح طيلة الاسبوع كنت اكتفي بتمرير منديل مبلل لأزيل الغبار والتراب كما قللت من الحركة والجهد وقطع المسافات الطويلة . أسبوعان وعدت إلى البحر لاصطاد السمك …
لم تبدأ حركة الزوار إلا في منتصف شهر يوليوز ، أول الوافدين زوجان الماني بمقطورتهم مكثا يومين لم يغادرا محيط سيارتهم يطالعان كتبا ولم يستغلا المسبح ، لم اشعر بوجودهما . بعد اسبوع مقطورتان من ايطاليا كانوا اكثر صخبا وضجيجا لم تبرح قنينات الجعة ايديهم تعجبت من كميتها وتساءلت عن كمية مخزونهم مكثوا ثلاثة أيام واستغلوا المسبح بالليل والنهار، ثم رحلة من البيضاء بتنسيق مع السي بنكران مباشرة اصبت معهم بالضجر لكثرة الطلبات والأسئلة وملاحظات السي بن كيران حول تصرفاتهم ، وكثرة الاشغال في اليوم الموالي من تنظيف وجمع لمخلفاتهم المبعثرة وإعادة تصفية ماء المسبح وتزويده بالكلور المنظف .
في شهر يوليوز زارني ممثلوا الأعمال الإجتماعية للصخور السوداء لحجز المخيم مدة شهرتقريبا لكل فوج َ12يوما من التخييم تكلمنا في التفاصيل الدقيقة واعطيتهم عنوان وهاتف السي بن كيران لإتمام الإتفاق . في النهاية رفض العرض رغم حاجة المخيم في بدايته بدعوى ان هذا العدد من المخيمين سيسبب ضررا للبنية التحتية للمخيم ؟؟؟
اصبت بالانزعاج من هذا القرار، نعم هو صاحب القرار ولكن وضعي اختلف ، فالوتيرة التي يسير عليها المخيم لا تصل الى ما كنت اعتقده ، بدأت احس اني مجرد حارس وليس مديرا كانت نتيجة هذا الاحساس بأن بدأ نشاطي يخبو وقل الاهتمام وأسأل نفسي عن سبب تواجدي هنا وترك حياتي والحضارة والاصدقاء والفرع ، زاد من ذلك انهم في صدد الاعداد لمخيم دولي بالمعمورة ـ كان علي ان اكون معهم اساعد بما استطيع ، ثم سمعت ان الفرع سيقيم مخيما بالسعيدية ـ وساغيب عنه رغم كوني مندوب الفرع ـ ليس لاهميتي للقادة فهم من الكفاءة ما سيجعل منه مخيما نمودجيا ولكن لمساندتي لهم . ما زاد الوضع تعقيدا الحدث الابرز والاهم هذه السنة لم اعلم به إلا صدفة عندما دهبت للمقهى ، تسمرت في مكاني اشاهد التلفاز والكل يتفرج في صمت وكأن على رؤوسهم الطير حسبته نقل مباشر من بلد اخر او حذت يعاد بثه … مات ملك نعم مات الحسن الثاني ملك المغرب قلت مع نفسي ” انت اسي يوسف تعيلي ماشي فالمغرب راك فشي دولة اسميتها الكونبينك” . اخدت فهوة واخرى وثالثة وانا اشاهد جنازة الملك لا تفارق عيني التلفاز اصبت بالغتيان وانطلقت اعدو راجعا لمعتقلي،ابحث عن مدياع لأكمل شريط الاحذات بالسمع مادمت لا استطيع حضوره دخلت الدكان وجلست اسمع ,استرجعت سبب ارتفاع الحركة منذ الأمس ، رتل عسكري سيارات اجرة حافلات شاحنات محملة بشرا . قررت ان اقطع عزلتي وسجني و أعود لحياتي . قبل مستهل غشت سلمت مفاتيح تازمامارت لسي بنكيران وحملت امتعتي الهزيلة ورجعت للدار البيضاء ومنها الى فاس بعد اربعة اشهر وستة عشر يوما…
كانت تجربة افادتني عرفتني بنفسي وعلمتني الصبر والزهد وزادت معلوماتي ومهاراتي في حرف البناء والزراعة والكهرباء والماء والطبيعة وقوة الملاحظة لم اكن لدي وقت فراغ ولكن وقت كثير للعمل للقراء ، وفرة الأدوات مكنتني من الابتكار ، جلد السحالي والثعابين أخيط منها ما أريد ، اصنع من قطعة خشب غليونا أدخن به بقيا التبغ ، جبس وأسمنت وحجارة أشكل بها إطارات ومجسمات ومزهريات ، من القصب سلال وسفن حتى قشور البيض استعملتها ونقشت عليها رسوما … وأهم من ذلك كله انه لا يهم الفشل مادمت قد قمت بواجبي .
زارني من العائلة في المخيم ابي ومعه اخي عثمان وزوجته ومعهم كنزة عرجوا على الخيم في طريقهم الى الجديدة ، لم يمكتوا طويلا ، ثم اختي نعيمة و زوجها جمال وابناؤهما ضلوا معي اليوم كله اذكر انها قالت لي يومها عندما شاهدت الغرفة وما فيها من مصنوعات وما ليس فيها من ضروريات خاصة فراشا مريحا ـ كنت التحف غطاءا واحدا واثدتر بإيزار واتوسد ملابسي ـ وليس لي لا مدياع ولا تلفاز ,” روبنسون كريزوي ديال المغرب” . احسست انها امتعضت من حالتي لكنها لم تظهر لي شيئا …
هكذا انتهت حقبة تازمامارت او منفاي الاختياري لكن كانت الكشفية حاضرة وغائبة كنت اتمنى واتخيل هذا الفضاء يعج ويموج بالكشافة ,كم مرة في خلواتي اضع برامج وانشطة واتخيل مراسيم وتقاليد ، لا يهم ، طبقتها مع نفسي وبمخيلتي.
من مذكرات كشاف يزعم انه قائد
ا…