مقالات

أدب الذاكرة

لنكن صرحاء و بقاموس الأوائل
لأول مرة ينتابني هذا الشعور و أنا أقف أمام شبح الموت الكشفي بعد محاولاتي الفهم بدون هوادة, هذا الشبح الذي أصبح الآن له جسم واضح و فاضح. شيء غامض كان يشتعل داخلي كالحرائق الخفية كلما تذكرت الذين سبقونا, لم أكن قادرا على مقاومته لأني كنت عاجزا عن فهم أسراره.

حسرتي الحقيقية هي على قادة في هذا العالم أبوا الرحيل عن الحياة, إلا بعدما قدموا كل عمرهم و جهودهم, مقابلة أن نرث و نورث عملهم لمن بعدنا وصولا إلى الخلود.
« هكذا يأتون…و بصمت يذهبون… ثم لا شيء. لا أحد يسأل عنهم,كأنهم لم يكونوا يوما ما, إن الموت ليس قهرا فقط, و لكنه آلة محو قاسية.»
هل تدرون أن نوبة الألم التي غرقت فيها, لم يكن لها اسم و لا طعم, إلا الإحساس المبهم بالخوف من موت غريب للتربية كان يلفه الصمت و العزلة و ذاكرة منكسرة! هكذا تنطفئ أحلامنا جميعا داخل دائرة كل يوم تزداد ضيقا.

كان يمكن أن يتحول موت قادتنا, إلى شرارة تربوية و كشفية عملية لن تنطفئ إلا بعد رحيلنا عن الحياة مثلهم, كان سيحصل هذا لو دفنوا في ذاكرة أشخاص تحترمهم. هم الذين قضوا أعمارهم غرباء في وطنهم حبا له, في لغة كشفية وحدهم يفهمونها, يدافعون عن وطن تبدى في النهاية أنه هو أيضا غريب. كانوا يرددون داخلهم: لم يعد لنا من الوطن إلا لغتنا الهاربة هذه. إن رحلنا فوطن الكشافة وحده سيحزن, سيغمدنا بين رموزه و شعاراته و في قلوب فتيانه و سيعمدنا بكل المعاني الجميلة. مواطننا الكشفية, المتوارية
خلف الجبال و السهول و محيطات نكران الذات, إن القادة هم حظ الأرض التي ولدوا و تربوا فيها, لأنهم هم عينها و قلبها و ملحها.
الجرح الذي مس قادتنا الأوائل, كان كبيرا و عظيما, لم يكن بإمكانهم إلا أن يموتوا وحيدين بعد أن عاشوا أكثر من خمسين سنة منسيين, في عزلة لا شيء يملئها إلا حياة الكشف, و الكشف فقط, و رائحة حلم تشبه إلى حد بعيد رائحة الصبا الجميل.
السؤال المعتم الذي يدور في رأسي الآن هو لماذا ماتوا جميعا هكذا, في صقيع هذا الربيع التربوي الذي غابت شمسه بعدهم؟ لماذا لم يساووا حتى مساحات قبورهم في هذا الوطن أو في ذاكرتنا ؟ و يبدو أن تراجيديا التغريب لا نعت لها, لأنها لا تترك أي وقت لضحيتها للتفكير, و نجهز عليهم نحن أيضا بسلاح أكثر فتكا: النسيان.
هكذا مات قادة الجمعية, أو على الأقل نسيوا. و هكذا قتلت قلوبهم, قد نجد صورهم على جدران المقرات و في كل قاعة في المعمورة لكننا لا نراهم, بتلك الرؤيا التي يستحقون, لم نعد اليوم نذكر أسمائهم و لا أماكن قبورهم, و لا شواهدهم التي انمحت بتجاهلنا, و لا حتى تفاصيل حياتهم المليئة بالقلق و الأشجان و السجون. نحتاج إلى الكثير من الحظ و إلى صدفة استثنائية لكي نعثر على قبر أحدهم في هذا الوطن الذي أنكرهم, أتربة كثيرة لم تعد لها أية لغة و هي لا تنطق إلا بواقعنا و حاضرنا المقرف و المخجل بعدهم.
اليوم… عندما ألتفت نحوي, أجدني ضائعا داخل هذه السجالات و الصراعات و التفاهات التي أعجز عن فهمها, مما سيجبرني على سجن القلم إلى حين انتهائها. يبدو لي أن التزام الصمت قد أصبح قدرا سيزيفيا قاسيا علي أن أقبل به .
الغالي اكريميش

alt

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock