مواصلة لجهود التقارب أود أن اشرح وجهة النظر المناقضة للتصور السائد في الجمعية و الذي جاء مشروع المجموعة ليكرسه وذلك من خلال مناقشة الهيكلة
فكل هيكلة مقترحة يجب في نظري أن تكون منسجمة مع أهداف الجمعية و هويتها التربوية الكشفية و منبثقة من الحاجة لتحقيق هته الأهداف و مستجيبة لطبيعة العمل داخلها و نوع العلاقة التي تربط العنصر البشري بها.
فهدف الجمعية حسب ما هو منصوص عليه في ديباجة قانونها الأساسي و ما هو مكتوب كذلك في ديباجة المكتب الكشفي الدولي، هو تربية النشأ و تلبية حاجيات الفتية و الشباب.
و هيكلة الجمعية كما ينظر إليها مسيروها الحاليين و كما يعززها مقترح مشروع المجموعة يتناقض مع هته الأهداف و يعيق تحققها، و ذلك لأن الهيكلة المقترحة تعمق النظرة التراتبية داخل الجمعية و تزيد من فرص ممارسة السلطوية و التحكم من أعلى، و هذا النوع من الهيكلة الهرمية المرتكز على التسيير من فوق قد يناسب الشركات التجارية على اعتبار ان هناك قلة من الملاكين و أصحاب رؤوس الأموال الساعين للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية و الباقي مستخدمين يأخدون أجورهم مقابل المهام المنوطة بهم. و هذا الوضع لا ينطبق على حال الجمعيات التربوية عموما، بما يجعل هذا النوع من الهيكلة متناقضا مع درو الحركة الكشفية. فالجمعية حسب أهدافها المعلنة تسعى لتلبية حاجيات القاعدة أي الفتية و الشباب و ليس لتحقيق طموحات المتواحدين في قمة الهرم كما هو الشأن بالنسبة للشركات التجارية و الاستثمارية. لذلك و جب ان تكون حاجيات الفتية و الشباب هي التي تؤطر كل القرارات المتخذة داخل الجمعية،و على اعتبار أن قادة الوحدات هم المباشرين للفعل التربوي بشكل مباشر و في علاقة لصيقة بالفتية و الشباب، كان لهم الأولوية في اتخاد القرار و تأطير التسيير داخل الجمعية. و قد كان في قانوننا الأساسي معالم واضحة لهذا التسيير الذي يجب أن ينطلق من القاعدة و ليس العكس، فالمفروض أن قادة الوحدات(الممارسين الفعليين للعمل التربوي الكشفي) على اعتبار أنهم الأقرب لرصد حاجيات الفتية و الشباب، يختارون على المستوى المحلي في جمع عام مندوبا للفرع لتسهيل مهامهم التربوية ، فيختار هذا الأخير مكتبا يضم المسؤولين عن الأقسام بالضرورة إلى جانب عدد محدود من الإداريين (مكلف بالمالية و مكلف بالإدارة)، أي أنه من المفروض أن تكون هته التشكيلة ذات الغالبية التربوية في خدمة أهداف الجمعية، و هؤلا يجتمعون مع نظرائهم في جمع عام جهوي ليختاروا مفوضا جهويا ينسق بين الفروع و يسهل مهامها الكشفية و التربوية، و يضم مكتب الجهة كذلك منسقي كل الأقسام إلى جانب قلة من الإداريين، بمعنى أغلبة تربوية تؤطر قرارات الجهة. و هته الجهات تجتمع في مؤتمر وطني لاختيار مفوض عام ينسق بينها و يسهل عملها التربوي الكشفي، وتفرض عليه من خلال توصيات اللجان التربوية التي يصادق عليها المؤتمرون جميعا ضوابك عمله حتى يكون منسجما مع الأهداف التربوية للجمعية و التي تنبثق بالضرورة من قادة الوحدات (الممارسين الفعليين للعمل الكشفي التربوي).
فقائد الوحدة المتطوع هدفه خدمة قسمه و تلبية حاجيات أفراده، و المندوب مسخر ليسهل له عمله، فالمندوب خاضع لسلطة قادة الوحدات داخل الفرع و ليس العكس، و المفوض الجهوي حاضع لسلطة قادة وحدات الفروع ممثلين بمنسقي الأقسام داخل مكتب الجهة، و المفوض العام خاضع بالضرورة للسلطة التربوية الناتجة عن توصيات اللجان التربوية، و تشكيلة المفوضية العامة التي يضمن القانون أن تكون الأعلبية فيها للقادة التربويين أي مفوضي المراحل. فتكون قرارات الجمعية نابعة من القاعدة التي هي أساس تواجدها و ليس من القمة كما هو الشأن في الشركات المملوكة لبعض الأشخاص.
و إن الأزمة في الجمعية نابع من عدم استيعاب هته الهيكلة و عدم احترام القانون الذي فرضها بل أصبحت التعديلات الأخير تضرب في العمق كل هته المكتسبات و تسعى بشكل منهجي إلى تحويل الجمعية إلى شركة مملوكة لقلة قليلة يسيرونها من فوق. و إن كان هذا ينسجم مع العقلية المقاولاتية فإنه يقتل الجمعية و يجردها من دورها التربوي. و ذلك لعدة أسباب لعل أهمها ”طبيعة العلاقة التي تجمعنا داخل الجمعية”.
فإن جاز لرب الشركة أن يصدر الأوامر و يعين من يشاء و يطرد من يشاء في ملكه و ملكوته على اعتبار انه هو من يدفع الأجور لعماله و مستخدميه و لا بد لهم بموجب عقد العمل الخضوع لمبدأ التبعية لرب العمل. فالأمر لا يستقيم داخل الجمعية على اعتبار ان كل القادة متطوعون و لا يأخدون أجرا يقتضي منهم التبعية لأحد ما. فمنطق التعيين الذي يقترحه الإخوة و أسلوب الطرد والمنع و التجميد الذي انتهجه مسيروا الجمعية يقتل معنى التطوع و يتناقض معه، و يشكل في نظري السبب الرئيسي للهدر القيادي. خاصة في صفوف الشباب الواعي و المثقف من أبناء الجمعية. فالقائد عندما يتطوع يفعل دلك من أجل خدمة أهداف الجمعية النبيلة و يضحي بوقته و جهده و أمواله حتى في سبيل هته الأهداف. لكن عندما يصطدم بواقع سوء فهم هيكلة الجمعية التي جعلت من المندوب آمرا ناهيا بدل أن يكون ميسرا لمهام قادة الوحدات، و من المفوض الجهوي سلطة تراتبية و من المفوض العام ملكا مقدسا ، كل يأمر و ينهى و يمنع وفقا لمزاجه و بعيدا عن الضوابط و الأهداف المتضمنة في ديباجة قانون الجمعية، أمام هذا الوضع يفقد التطوع معناه و يجد القائد الشاب نفسه مستخدما بدون أجر. فبعيش حربا لا هوادة فيها من أجل تحقيق أنشطة تربوية كشفية لفتيته من طرف أولئك الذين من المفروض أن يسهلوا له مأموريته. فينتهي به الأمر للانصراف و الانقطاع عن النشاط. فغير مقبول منطقا و لا عقلا أن يقبل أي شاب متعلم ناجح في حياته العلمية و العملية وضع المستخدم و بدون أجر. إضافة إلى أن مفهوم التطوع يقتضي حرية المبادرة، و الهيكلة التراتبية التي فرضت على الجمعية قصرا و تريد بعض المشاريع أن ترسخها قاعدة، تقتل حربة المبادرة و تجعل من قادة الجمعية أجراء لا حق لهم في الإبداع أ التحرك إلى حين تلقي الأوامر من السلطات العليا سواء محليا أو جهويا أو وطنيا وإلا كان المصير المنع و التضييق.