كل سنة تعيش التنظيمات الكشفية تجارب تخييمة في إطار مخيمات وزارة الشباب والرياضة، وكل سنة تراكم العديد من الملاحظات وتسجل العديد من التجاوزات، وتكرر كل سنة نفس الأخطاء،
و الشيء الأكيد أنه لم يفاجئ المتتبعون للشأن التربوي بالتقرير الصادم الذي أعدته قناة ميدي 1 في إطار برنامجها الشهري المحققون حول برنامج” عطلة للجميع” لكن ما أثار انتباهنا هو التركيز على جماعة تخييمية تنتمي للجسم الكشفي في سياق الحديث عن واقع مترهل للمخيمات التربوية و كأن معد التحقيق استطاع باستعارته لكلمة كشافة إثارة الانتباه لمن يهمهم الأمر أن الحركة الكشفية لم تسلم من هذا التردي بل أصبحت طرفا في المشكل عوض أن تكون جزءا من الحل….
سنحاول من خلاله هذه الوقفة ملامسة موضوع التخييم دون ادعائنا الإحاطة بجميع جوانبه… رغبتنا, فتح النقاش حول السبل الكفيلة بصياغة تصورات تربوية تركز على المضامين في أفق بناء رؤية كشفية للتخييم.
الواقع التخييمي : السياقات التاريخية و الإكراهات الحالية
لم يعرف المغرب المخيمات بمفهومها التربوي حتى سنة 1940 م حيث بدأت تظهر جماعات الاصطياف ونشأت مصلحة لمخيمات الشبيبة والرياضة على يد الحماية الفرنسية التي كانت باسطة نفوذها على المغرب آنذاك.. وفي سنة 1949 بدأت أعداد الأطفال المغاربة ترتفع لتصل إلى نسبة تدعو إلى الارتياح رغم اقتصارها على بعض المدن المغربية. وبعد الاستقلال دخل المجال التخييمي في المغرب مسار التطور والنماء حيث أصبحت التداريب التكوينية تنظم باللغة العربية وبوثيرة متسلسلة ومستمرة كما أصبحت المراكز التخييمية تعرف اهتماما من حيث التأسيس والتجهيز بالإضافة إلى رفع عدد المغاربة المستفيدين من التخييم وإشراك الجمعيات في عملية تسيير المخيمات الصيفية.
في بداية القرن الحالي, عرف القطاع التخييمي نقلة نوعية في سياق التحولات التي يعرفها ميدان الطفولة والشباب، والمكانة البارزة التي أصبحت تحتلها قضاياه في برامج سياسة الحكومات والهادفة إلى العناية بالأطفال والشباب وتوفير ظروف الترفيه والتثقيف خلال أوقات العطلة، بما يفيد في تكوينهم جسديا ونفسيا وتربويا واجتماعيا. وانسجاما مع التزام الحكومة في هذا الشأن، فقد تقرر أن يستفيد من برنامج عطلة للجميع 150 ألف طفل وطفلة وشباب من النشاط التخييمي وذلك لتمكين أكبر عدد من الأطفال الذين هم في سن التخييم من برنامج العطلة للجميع. فكانت عملية توسيع شبكة المخيمات عن طريق إحداث مخيمات جديدة وتوسيع شبكة المخيمات الموجودة وكذا عقد اللقاءات مع الهيأة الوطنية للتخييم من أجل تدارس وضع الشروط التربوية والبيداغوجية التي من شأنها إشباع الحاجيات المختلفة للطفولة، باستثمار كل الفضاءات وتجهيزها بوسائل الراحة والتنشيط.إلا أنه رغم المجهودات المبذولة سواء من طرف الوزارة الوصية والجمعيات المهتمة بالميدان فإن واقع التخييم لا زال يشكو من:
- نقص التجهيزات الأساسية وضعف البنية التحتية المتوفرة بالمقارنة مع عدد المستفيدين.
- نقص جودة التكوين الذي توفره الوزارة الوصية لأطر المخيمات الصيفية.
- ضعف التأطير التربوي البيداغوجي للمخيمات من لدن الجمعيات حيث لا تتجاوز الأنشطة النشيد واللعبة وتغيب عنها
- ضعف التطوير و الإبداع في الوسائط التربوية ووسائل التنشيط.
- عزوف بعض الأطر ذات الحنكة والتجربة عن تأطير مخيمات الجمعيات و التوجه نحو مخيمات الشركات مما جعل مسؤولية التأطير ملقاة على عاتق الأطر الجدد على حداثة تجربتهم .
شروط تأطير المخيمات الكشفية :
لازالت شروط تأطير المخيمات الكشفية غير واضحة كما هو الحال بالنسبة للتكوين المخصص لأطر المخيمات التي تشرف عليه وتراقبه وزارة الشباب والرياضة، يلف الغموض هذا التأطير الكشفي من خلال غياب وثائق تثبت قدرة وكفاءة القادة على تولي مسؤولية رعاية وتسير وتنشيط الطلائع والأفراد. ومع تنامي الأخطاء التي يرتكبها بعض القادة بالمخيمات, جعل العديد من المهتمين والمتتبعين والآباء من أخد انطباع سيء على الحركة الكشفية و طرح السؤال حول مرجعيات التكوين التي تنتهجها التنظيمات الكشفية بالعلاقة مع سياسة التكوين وتنمية المراحل الكشفية.
الحاجة إلى بناء رؤية واضحة للتخييم الكشفي :
المخيم جزء مهم من أنشطة التربية الكشفية، فهو عنصر أساسي من مكونات الطريقة الكشفية المتمثلة في حياة الخلاء، لكن هذه التجربة التربوية السنوية يعيشها الكشافة في وضع غير مريح في ظل شروط الاستفادة من مقاعد التخييم التي تشرف عليها وتمولها الدولة.
تعتبر الطريقة التربوية الكشفية من الطرائق النشيطة الفاعلة (Méthodes actives) في تنفيذ الكشافة لبرنامجهم طيلة مسارهم الكشفي، وتعتبر فضاءات الطبيعية مثل المخيمات هي الفضاء الأمثل لتنفيذها، لكونها من الطرق البيداغوجية التي تجعل من الطفل صانع معرفته الخاصة، حيث يوضع في ظروف تسمح له باكتشاف المعرفة عوض فرضها عليه، تتطلب هذه الطريقة التعامل مع الفضاء بأسلوب يسمح بتحقيق أهداف وغايات الحركة الكشفية وفق خصوصيتها.
في هذا السياق الذي يؤصل للمخيم باعتباره مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية و جزء لا يتجزأ من الأهداف التربوية للحركة الكشفية و ألية ناجعة لتنزيل مضامين المشاريع التربوية الكشفية وجب التفكير في إطلاق استشارة وطنية تروم بناء رؤية تربوية كشفية للتخييم تضم المضامين التربوية وكذا دفترا للتحملات يحدد العلاقة بين مختلف المتدخلين.