عروض و بحوث

معيقات الإبداع

 لقد أصبح الآن من أهم الانشغالات، هي كيف نفتح المجال أمام قادتنا لكي يعبروا عن ذواتهم، ويبدعون ويفكرون لبلوغ مشارف الجودة في المنتوج التربوي، وجودة الحياة عامة.

   فبعد تفكير طويل، ومناقشات خارج الجمعية، خاصة العمل الجمعوي الشبابي والرياضي والتنموي..، اتضح لي أن المعارف والمهارات التي يكتسبها القادة من خلال أنظمة التأهيل القيادي، وتداريب مجالات تنشيط البرنامج التربوي، والتسيير الإداري والتدبير المالي، وإدارة المشاريع…تبقى دون جدوى إذا لم تتح للقائد فرص التفكير والإبداع من أجل التغيير والتطوير، باستثمار معارفه ومهاراته لتحقيق ذاته وفق الوظيفة والدور، وتوجهات الجمعية،ودورها ضمن النسيج الجمعوي، التربوي والتنموي للبلاد.

   فرغم المحاولات التي قمت بها لتعريف الحركة الكشفية لترسيخ أصالتها في خطابنا وسلوكنا، والانخراط في آليات الجودة الشاملة، من أجل التميز والمنافسة..، رأيت أن هناك خللا يعيق القادة في بلوغ هذا التوجه، وهو التحرر من عوائق الإبداع الداخلية، وكيف نبني في جمعيتنا ثقافة الإبداع؟

   يقول البروفيسور شوتز:

أشد الشجون أسراشجن جدرانه صدرك و أصعب القيود كسراقيد حلقاته فكرك

   وللمساهمة في تذليل هذه العوائق، أقترح عليكم إخواني القادة، أخواتي القائدات، هذا الموضوع والذي بذلت فيه مجهودا كبيرا، ليكون خطابا مطواعا لكل مستويات قادتنا، نظرا لما يتضمنه من حمولة ثقافية وفكرية..من أجل تعميق المعرفة والفهم والإدراك لعوائق الإبداع، واكتساب الإرادة القوية لبلوغ أسباب التحرر والانخراط في مسارات الجودة الشاملة.

۞ مجالات ازدهار الإبداع:

   في جميع المنظمات والهيئات على مختلف أدوارها وتخصصاتها، وأجهزة البحث والتطوير والدراسات النموذجية، تزدهر الأفكار الإبداعية، وتتوالى النجاحات، حيث يتم الترحيب بالأفكار الجديدة، وتقوم بمعايير تؤكد قيمتها الإبداعية، وأخيرا ينفذ ما كان ملائما منها للمنظمات والهيئات…

   وفي هذه الأجواء، ينتشر الاحترام الذاتي، والاحترام المتبادل بين الفاعلين والمستفيدين، ويستمر في التنمامي وعي الناس لأدوارهم، وتقبلهم وتقديرهم لأنفسم.

   وإذا لم تتوفر هذه الظروف داخل الجمعية…فإن القادة، وحتى العرفاء والرواد.. سيبقون عاجزين عن تحقيق كامل إمكاناتهم وذواتهم، واستثمار قدراتهم وكفاياهم.

   عزيزي وصديقي القائد والقائدة، إنه حين يقبل أحدنا على تلقي الأفكار والتجارب التي سترد في هذا الموضوع، ويقوم بنشرها داخل الجمعية وطنيا أو جهويا ومحليا، فإنه سيساهم في تكوين تنظيم ونخبة تتوفر لها المميزات التالية:

–         تقوم مجموعة العمل بتقديم أفضل أداء نتيجة إمكاناتها وقناعتها، ووعيها، لأن أفرادها يشكلون تنظيما يستحث ويستثمر مساهمات كل فرد.

–         إتاحة الفرصة للقادة لقول الحقيقة دائما.

–         يتحمل كل قائد مسؤولية تصرفاته ومشاعره.

في ظل هذه البيئة وهذه الوضعية تصبح الوحدات والجماعات والمؤسسات والنظم،

–         أكثر فعالية.

–         والجمعية أكثر إنتاجية.

–         والأفراد أنجح في تحقيق ذواتهم.

–         والعلاقات الإنسانية بينهم أكثر إرضاء.

۞معوقات الإبداع الداخلية:

  • المعوقات النفسانية

   يفترض في أن التفكير الإبداعي، وحل المشكلات، يجدان التقدير والتشجيع داخل الهيئات والمنظمات، لكن بالرغم ظهور هذا التأييد في البيئة الخارجية، وبالرغم من دور التغييرات داخل الأشخاص وداخل المنظمة في الترحيب وإطلاق الإبداع، فإن العملية الإبداعية تصطدم بعراقيل نفسانية معينة في كل مرحلة من مراحلها، وأن التعرف على هذه العراقيل وتجاوزها، يعتبر من أهم وأسرع السبل لتقوية وتعظيم استفادة القائد من قدراته الإبداعية.

   ولسوء الحظ، فإن هذه العراقيل غالبا ما تكون خارج نطاق انتباهنا وإدراكنا.

   (( تنبع عراقيل الإبداع النفسانية من ارتيابنا بأنفسنا- بدرجات متفاوتة- بعدم أهمية ذواتنا،أو عدم قدرتها أو عدم محبة الآخرين لها. إن هذه الظنون الثلاثة،تشوه قدراتنا الفكرية والإبداعية، لأنها تصرفنا إلى وقاية أنفسنا من تبعاتها الثلاث المفترضة، أي: التجاهل والاستخفاف، ومذلة الهزيمة، والرفض أو الاستبعاد)).

   ربما تظهر هذه المشاعر السلبية بعيدة الصلة بالعملية الإبداعية، لكن الحقيقة هي أن تفهمها هو مفتاح أساسي لتوسيع وإغناء قدراتنا الإبداعية. حيث يتم ملء صدورنا بالرضا عن أنفسنا،والاقتناع بأهميتنا وقيمتنا. ولتحقيق الاستفادة المثلى من هذه الاكتشافات الباطنية داخل ذواتنا. يتطلب منا إعادة النظر في انتقادنا الدنيء لأنفسنا، ومن قلة الأهمية أو القدرة أو القبول لدى الناس بشكل كبير. فكل ذلك من طبيعة البشرية.

   وللتخلص من هذه العراقيل النفسانية، لابد من التنعرف على هذه العراقيل في كل مرحلة من مراحل العملية الإبداعية:

۩ المرحلة الأولى: التجربة.

قبل اكتشاف أي حل إبداعي، لابد من اكتساب كم من التجارب، وذلك بالانفتاح على البيئة المرتبطة بالمشكل، وعلى مشاعرك.لأن الخلفية الفنية هي التي تفتح المزيد من احتمالات الحلول الفريدة الجديدة.

۞ أهم العقبات الداخلية لعرقلة اكتساب المعرفة:

1= الخوف من التعلم:

– الشك في القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات يؤدي إلى التردد في الإقدام على تجارب جديدة.

– خشية الاختبار فيما يفترض أنه تم اكتسابه من معارف ومهارات، يؤدي إلى العجز أو التوقف عن التعلم والتجريب.

– التصورات بأن النفس عاجزة، يؤدي إلى التهرب دائما من المواقف التي تعرض القائد للمذلة والفشل.

– المقارنة الدائمة بمن يفترض أنهم(لامعون) يصد القائد ويردعه حتى عن مجرد التفكير في المحاولة.

2= الخوف من انتهاك المعايير

– هل نشأت على الاعتقاد بأن بعض القضايا هي ليست من شأنك؟

– هل نشأت على أن بعض التصرفات لاينبغي لمثلك الإقدام عليها؟

   هذه الاعتقادات، وهذه الأفكار تجعل بعضنا يشعر بنفسه يتجاوز الحدود. مما يجعله يحجم عن الانفتاح واستقصاء طيف واسع من الظواهر.وينطفئ ثوقه إلى الاستطلاع، وربما قد يعزل الإنسان وعيه الباطن عزلا نهائيا مع كل الامكانات الإبداعية التي يحملها.

۩ المرحلة الثانية: الربط.

   من أجل تقديم نتائج مفيدة، يجب أن تكون قادرا على ربط التجارب المتنوعة، حيث يعتمد النجاح في كل الميادين العلمية والأدبية على مقدرة ملاحظة وإنشاء الارتباطات مهما كانت مفيدة ودقيقة..

   وأهم العراقيل المعيقة لإنشاء الارتباط:

1= المبالغة في تقدير العقلانية:

   إن الإصرار على التمسك بالعقلانية المطلقة عند معالجة معالم الطريق، يؤدي إلى:

–         رفض التفكير غير الخطي أو الترابطي.*

–         الابتعاد عن الإصغاء للحدس، لاعتبار الحدس مصدرا مهما لاكتشافات المبدعين.

–         يجد المرء نفسه يلغي جزء كبيرا من إبداعيته مخافة الانتهاء إلى الظهور بمظهر تالطائش أو المنبوذ.

2= الخوف من وعي الذات:

–         تكوين علاقات مجدية مع الشركاء وفريق العمل قائمة على اجتناب خداع الذات.

–         عدم الاستخفاف بجهود العاملين القائم على الخوف من الظهور بالعجز أو أقل مقدرة.

–         تشويه صورة المنافسين، يساهم في تجنب الشعور بعدم الإبداع.

۩ المرحلة الثالثة: التعبير.

   بعد ربط التجارب والمعلومات والدراسات المتنوعة حول الموضوع، يجب التعبير عن الفكرة. فتجميع المعلومات بإنشاء الارتباطات، لايكاد يعني شيئا عند المبدع مالم يكن قادراعلى توصيلها.

۞ أهم عراقيل مرحلة التعبير:

   بعد ربط التجارب أو المعلومات المتنوعة، يجب أن تعبر عن فكرتك، وأهم العراقيل في مرحلة التعبير:

2= الخوف من الإحراج:

   يصعب عليك إخراج أفكارك إلى العلن، مما يجعل الأفكار تبقى غير ناضجة، لأنها لم تتعرض للصقل بمرورها بين الأذهان المختلفة، ومن مظاهر الخوف:

أ‌-     عدم الوثوق بقدرتك.

ب‌- النقد.

ت‌- الخوف من التكلم بين الناس.

ث‌- الخوف من حضور أفراد معينين.

3= الخوف من إبداء الثقة والتمسك بالأفكار:

   فكر جيدا=

–         هل سيبقى الناس يحبونك إذا عبرت عن أفكارك؟

–         هل يمكن أن تبقى في المتاعب نتيجة تصريحاتك؟

   إذن، فإن تفضيل السلامة مربح ومريح، ولكنه يكلفك غاليا لوكنت تدري، لأن الهوس يحجب الأفكار وتلميعها من أجل ترضية الناس.

۩ المرحلة الرابعة : التقويم

   إن توقف متابعة الأفكار وتطويرها راجع عن عدم الشعور بقيمتها، مما يؤدي إلى ظهور تمييز الإبداع عن الشذوذ، والفرق بين الإنتاج المجدي، والتبذير العقيم.

   وفي هذه المرحلة يواجه المرء عقبتين تشكلان حرجا زائفا، يؤدي إلى زعزعته عن تقويم الفكرة، والاختيار بين أمرين:

–         المتابعة في مشروع غير واعد وغير مجد.

–         التخلي المبكر والمتسرع عن مشروع واعد.

وهاتان العقبتان هما:

أ= الخوف من مذلة الفشل:

   إذا كنت ترى فكرتك عظيمة، ويراها الآخرون تافهة. فإنها ربما تؤدي إلى أن يراك الناس متفاخرا عنيدا، أو غرا حالما.

   وبسبب هذا الخوف، تتقمص تواضعا زائفا أو توهم نفسك بأن ابتكاراتك غير عملية، ولاتستحق الاهتمام.

ب= الخوف من الرفض:

–         إن خوفك من رفض الناس لك قد يدفعك إلى التقليل من شأن فكرتك أو منتوجك الجديد.

–         إذا كنت كذلك، كيف يمكن للناس أن يحفلوا بفكرتك أو بك شخصيا؟

–         إذا كنت لاتقدر فكرتك، فمن أين للناس أن يقدروها، ويقدروك؟

۩ المرحلة الخامسة: المثابرة حتى الإنجلاز.

–         إن الأفكار الابتكارية الأصيلة تملأ النفس بهجة.

–         إن عدم المثابرة والعمل المتواصل لا تجعل الإنسان يحصل على عرض ملموس أو منفعة مالية.

–         ضرورة إخضاع المنتج أو أي عمل للصقل والإكتمال بدون نهاية، لأن إعادة التشكيل عدة مرات تولد الإحساس المطلوب.

۞أهم عقبات المواجهة في هذه المرحلة:

أ= الخوف من الفشل

–         يقول البعض في نفسه، ماذاإذا سرت بأفكاري إلى التطبيق النهائي لأجد أنها ليست بالجودة أو القيمة التي كنت أظنها؟

–         وبكلمات أخرى، لتجد أنك ضعيف المقدرة.

–         وهكذا يفضل البعض السلامة، ويختارون منذ البداية القعود أو التراخي عن الوصول بأفكارهم أو منتجهم إلى مرحلة العمل الإبداعي الحقيقي المنجز.

ب= افتقاد المكافأة أو ضآلتها.

–         إن النشاط الإبداعي لدى المرء، يحفزه الإعجاب المثار لدى الآخرين، ولكن لسوء الحظ لدى الكثير من الناس، فإن العمل اللازم لتحويل الفكرة الإبداعية إلى منتج، هو أقل توليدا للمكافأة من مجرد الفكرة.

–         إسأل نفسك يوما، هل أنت صاحب أفكار بدلا من أن تكون صاحب خطوات تنفيذ تفصيلية؟ إذا كنت كذلك، فاعلم أن هذا الموقف قد يكون نا جما عن خشيتك من ضعفك في عملية المتابعة، وهذا يعني أن أفكارك الإبداعية لن تصل إلا إلى العدم.

۞ تأملات ومراجعات

   تهدف الأسئلة التالية إلى مساعدتك أخي القائد أختي القائدة في تقويم نقاط ضعفك وقوتك في استثمار قدراتك الإبداعية.

1= في كل مرحلة من مراحل عملية الإبداع، أي العقبات تبدو مألوفة لديك، وترى ضرورة التخلص منها؟

2= – هل تواجه أية عقبات في اكتساب المعرفة؟

–         هل تخشى عدم تذكر المعلومات؟

–         هل تهاب استكشاف نواحي شخصية معينة؟

3= – هل تطور مقدرة إنشاء الارتباطات الإبداعية؟

–         هل تتردد في إطلاق العنان لعقلك ليذهب فيما تريد؟

–         إذا كنت تتردد أو تحجم، فلم ذلك؟

4= – هل أنت مثبط على الكتابة أو التحدث؟

–         هل تخشى السخرية؟

–         هل تخشى إظهار نفسك بمظهر ركيك؟

5= هل تثق بحكم نفسك على جهودك الإبداعية؟

6= – هل تجد صعوبة في الالتزام بالمبادرة حتى الإنجاز؟

–         هل تخشى الفشل في التنفيذ؟

–         أم تخشى خيبة الأمل عند النهاية؟ لم ذلك؟

   إن تذليل عواقب الإبداع، يكمن في تقدير الذات الذي يزدهر في الجمعية الملتزمة بالانفتاح والصدق، الجمعية التي يستطيع كل أحد فيها التعبير عن اهتماماته كما يشاء. ويلتمس فيها التقبل والترحيب بإنسانيته.

   عندما تستطيع التركيز على المشكلات وليس على الدفاعات والملاجئ، وعندما لاتجد أي حرج أو مهابة من البوح بمخاوفك، فإن الجمعية تكون آنئذ مجتمعا يساعد كل فرد فيه على اكتشاف عقبات الإبداع وتذليلها، واختبار إبداعية محلقة فوق كل الحدود.

alt

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock