عدد كبير من الآباء والمهتمين بقضايا التربية لم يتمكنوا من التعرف على الكشفية، رغم انتشارها بشكل واسع في أغلب دول العالم، و رغم استمرار توسعها لمدة بلغت مائة سنة من التواجد على الساحة التربوية عالمياَ. ولم يعلموا سبب وجودها وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه في مجال تربية الفتية والشباب
ولم تتح لهؤلاء فرصة التعرف على الحركة وأهدافها ومبادئها. وبذلك يبقى مضمون أسلوبها محجوبا عنهم وبعيدا عن التداول عند تناولهم قضايا الطفولة والشباب، وبالخصوص ما يتعلق بالأنشطة الموازية المكملة لدور المؤسسة التعليمية و الدور الذي تقوم به الأسرة لملء أوقات الفراغ )الوقت الحر( وما يسببه سوء استغلاله وما ينتج عنه من ممارسات سيئة تجرف بالصغار إلى سلوكات مرفوضة من طرف المجتمع. من المفروض أن يتم التعريف بالكشفية للآخرين بشكل عملي في سياق عادي، عندما يزاول الكشافة – المتميزين بزيهم – مختلف أنشطتهم وأعمالهم وتدخلاتهم الاجتماعية بكل إيجابية عند تفاعلهم مع باقي مكونات المجتمع، لكون ما ينتج عن الكشافة من سلوكات وأعمال وأنشطة مفيـدة كافية للتعريف بالحركة وأهدافها ومبادئها وطريقتها. و يمكن أن نرجع ضعف التعريف بالحركة في العديد من المناطق أساسا إلى ضعف بروز الكشافة داخل المجتمع والمتمثلة في:
o الغياب المستمر عن حضور الكشافة عن قضايا الوسط الاجتماعي الذي ينتمون إليه. o انغلاق الكشافة عن أنفسهم والقيام بأنشطتهم في منأى عن المحيط.
o البروز الباهت المرفق بالممارسات الخاطئة البعيدة عن الأسلوب الكشفي. لقد كانت الحركة الكشفية تعرف بنفسها من خلال نتائج أسلوبها الذي يظهر بشكل واضح على الأفراد، وبالخصوص ما يستنتجه الآباء والمدرسون، وما يلاحظونه وما يلمسونه من محصلات في الأفكار والتجارب لدى أبنائهم وتلامذتهم الذين ينخرطون في الأنشطة الكشفية، مقارنة مع إخوانهم أو زملائهم في الفصل حيث كانت هذه النتائج أكبر وسيلة للتعريف بالحركة وإيجابيتها التي تنعكس على الأفراد وعلى المجتمع. لكن محدودية هذه المردودية و تناقصها المستمر هو الذي ساهم بشكل مباشر في ضعف التعريف بالحركة. ما دفعنا إلى إعادة التعريف بالحركة الكشفية بعد مائة سنة من التواجد و الإنتشار هو اكتشافنا لضعف وتقصير في فهم أسلوبها و منهاجها التربوي من طرف الآباء و المهتمين بقضايا التربية، وهؤلاء شركاء أساسيين في تفعيل الممارسة الكشفية. و يمكن أن نرجع السبب إلى عدم قدرة القائمين على الحركة من التعريف بها و بمزاياها، بالإضافة إلى عدم وجود وسائط تواصلية مناسبة للقيام بالمهمة، و هذا ما دفعنا إلى البحث عن صيغ لتقريب مفهوم الحركة الكشفية و التعريف بمناهجها التربوية.هذا المجهود هو دعوة لإعادة اكتشاف أسلوب التربية الكشفية من جديد والإطلاع على الدور الذي تؤديه لتحقيق أهدافها التي تنسجم مع أهداف المجتمع المعاصر وملامسة طريقتها الحية في تأطير الفتية و الشباب. وهو ما دفعنا إلى البحث عن صيغ مناسبة لتقريب مفهوم الكشفية ومناهجها التربوية والدور الذي يمكن أن تلعبه في تحقيق أغراض وأهداف التربية. بصيغة جد مبسطة يمكن أن نُعَرِّف الكشفية على أنها أسلوب تربوي متميز يقوم بدور تكميلي للدور الذي تقوم به الصيغ التربوية التي يتبناها المجتمع. و يرجع السبب الذي جعل معظم دول العالم تقبل بهذا الأسلوب وتسمح بمزاولته لفائدة أبنائها ويمكن إرجاع ذلك إلى الأسباب الشمولية التالية : أ – مرجعيته التي تتبنى القيم الأخلاقية النبيلة في بعدها الإنساني والحضاري ، وترتكز على نتائج نظريات التعلم المواكبة للعصر. ب- استناده على الطرق الحية في التعامل مع الفتية الشباب، كأفراد فاعلين في وسطهم الاجتماعي، واعتبارهم قوة إبداعية متنامية فيه. رغم تباين أغراض التربية التي تخضع لأهداف كل مجتمع، فإن الكشفية تتميز بقدرة خاصة يمكن أن نصفها بأنها ذات أهداف إنسانية محايدة عن الاختلافات التي تعرفها المجتمعات، لأنها حركة تهدف بالأساس تربية الإنسان تربية متكاملة لكل مكونات شخصية الفرد داخل مجتمعه المحلي والوطني والعالمي بفعالية وروح مسؤولة. وهذا ما تنشـده أغراض التربيـة وأهدافهـا. ما تتميز به الحركة الكشفية عند انصهارها مع تربية أي مجتمع، هو التوازن الذي تـنشده بين الواجب الذاتي والواجب نحو الخالق والواجب نحو الآخرين، في سياق تنفيذ الطريقة الحية التي تراعي خصوصيات الفرد النفسية والاجتماعية. ولتوضيح ذلك سيتم التركيز على المنهاج التربوي الكشفي لكونه يترجم عمق الفلسفة التربوية التي تتوخاها الحركة الكشفية بصفتها تنظيم عالمي يهتم بالفتية والشباب، والذي يدخل في إطار التربية غير الرسمية، و ليست له صلة مباشرة بمنهاج التدريس والتعليم المعتمد رسمياً. محاولين الإجابة عن السؤال الذي يُطْرحُ : ما هي القيمة المضافة التي أتت بها التربية الكشفية؟ وما هي ملامح الإنسان الذي يسعى هذا المنهاج رسمه؟ عندما يجد هذا الأسلوب التربوي لنفسه مكاناً جنباً إلى جنب المنهاج التربوي الرسمي وإلى جانب الأساليب التربوية المجتمعية السائدة النابعة من منظومة القيم التي يؤمن بها المجتمع، فإنه سيساهم في بلورة المجهودات التربوية الرسمية والأسرية من خلال لعب دور تكميلي منسجم مع السياسة التربوية المتبعة . يعرف العالم تغيرات وتحولات سريعة في شتى مجالات الحياة، ومُوَاكبة هذه التحولات تتطلب من كل أُمَّة أن تلائم سياستها وجهودها مع هذا السياق الذي أصبح يفرض نفسه بكل قوة، وعدم مواكبته بما يتطلب من إعداد خصوصاً في مجال الموارد البشرية المؤهلَّة، يعني أنها في طريق التخلف عن ركب التطورهذا الأخير أصبح يفرض نوعاً من المنافســة والتسابــــق الـــذي لا وجود للضعف مكانٌ فيها. أين نحن من هذه التحولات والتغيرات؟ هل تتمكن أجيالنا بالخصوص من مواكبة ذلك بما يتطلبه الإعداد في شتى مجالات الحياة، وخصوصاً المجالات الأساسية مثل التربية والتعليم والصحة والاقتصاد والسياسة. أجيالنا الحالية تعاني من صعوبات وإكراهات كثيرة، تتداخل فيها أحيانا أكثر من عامل، مما يزيدها تعقيداً وتشعباً. وهذه المشاكل تحد من تمكن شبابنا من مواكبة حاجيات العصر و التلاؤم مع متطلباته. حيث أن الظروف الراهنة تفرز لنا شباباً يعاني صعوبات تفوق الجوانب المادية، وتصل لما هو قيمي يَمَسُّ الهوية والإنتماء. فالتحديات التي أصبحت تواجه الشباب في ظل الوضعية الصعبة التي يعيشها، تجعله هشاً و قابلاً للإنجراف وراء التيارات الفاسدة، ما يؤدي إلى زحزحة هويته الحضارية من فرط السموم التي يستهلكها عبر القنوات الفضائية وغيرها من الوسائل. والتي يطعمها مفهوم العولمة الذي أصبح يغذي التنافس المحموم الذي فُرض على العالم. مواجهة هذا التنافس يستدعي وجود كفاءةٍ بشرية عالية من المؤهلات، هذا الأمر يتطلب مجهودات تربوية عالية الدقة، وواسعة الإنتشار لتغطي جل المناطق ذات الاحتياج. والحركة الكشفية يمكن لها أن تساهم في تحقق ذلك، نظرا لما يتوفر عليه منهاجها التربوي وأسلوبها المتميز. لكن ذلك رهين بدرجة الوعي والتفهم الذي يتطلب أن يظهره المسئولون على الحركة في أي منطقة وتفاهمهم مع الجهات المسؤولة على المجالات التربوية. العديد من الأساليب البيداغوجية المتبعة تعرف هَدْراً كبيراً للفرص التربوية، كما أن الأخطاء والهفوات تسربت إلى مكوناتها لدرجة أفرغتها عن محتواها، وأصبحت بعض نظمها التعليمية تنتج العاطلين، و تنتج التسرب المبكر عن متابعة الدراسة، بالإضافة إلى المشاكل الإجتماعية التي تصبح هي الأخرى عوامل مطعمة ومدعمة لليأس والتهميش واحتقار الذات. استمرار هذه المظاهر دون تدخل من طرف جل مكونات المجتمع لوقف هذا النزيف الذي تعاني منه الأجبال، فإنه سيظل يعرقل حركية التنمية. يمكن للمجتمع المدني أن يتدخل من خلال إشرافه على التربية غير النظامية، عبر الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والتربوية وغيرها، التي تنظمها الجمعيات والمؤسسات. من بينها الحركة الكشفية بأسلوبها المتميز، واعتباراً لكونها من الطرق التربوية الديناميكية، و بما أنها من الأساليب التربوية التكميلية، يمكنها أن تلعب دوراً تربوياً كبيراً، عبر إنشاء فضاء إضافي يقوم بتكملة ما تقوم به الأسرة و المدرسة في سياق منتظم من التدخلات التربوية التي تتطلبها حاجيات العصر و الظرفية الراهنة. ولتقريب مفهوم التربية الكشفية سنحاول تفكيك مكوناتها وتقديم التوضيحات والشروحات المتعلقة بأجرأتها للوصول إلى فهم متكامل لمفهوم الحركة في شموليتها
للقائد شكيب الرغاي .