- 1.مدخــــــــــــــــــل :
كما أشرنا في الجزء الأول من هذا البحث أن العلاقة التربوية تتأسس على علاقات متعددة من ضمنها العلاقة التواصلية لأن عملية التكوين الذاتي للأطفال و الشباب في إطار الممارسة الكشفية تتحقق بإقامة علاقة تواصل مع هؤلاء الأطفال و الشباب .
و لأهمية الموضوع سوف نسلط الضوء على عملية التواصل التي تحدث بين القائد و أفراده في إطار الفعل التربوي الكشفي استنادا لمرجعيات تربوية و بيداغوجية التي تؤطر هذه العملية .
- 2.عملية التواصل حسب المرجعية الكشفية
لقد أشارت بعض البحوث و الدراسات الكشفية رغم قلتها أن الحركة الكشفية منذ نشأتها تعتمد على ” نظام الطلائع أو المجموعات الصغيرة” كعنصر من عناصر الطريقة الكشفية في تفعيل التواصل بين الكشافة و بينهم وبين قيادتهم المشرفة بشكل مباشر على تكوينهم و تربيتهم من أجل اندماجهم في الحياة الاجتماعية ، إلا أن هذه الدراسات تشير فقط إلى أهداف ” نظام الطلائع ” التي تتقاطع مع أهداف عملية التواصل البيداغوجي دون التطرق إلى أساسيات و تقنيات التواصل .
و قد أقرت بعض النظريات في علم النفس الاجتماعي أن من مميزات العضوية في المجموعات الصغيرة تنمية القدرات التواصلية و العلائقية لدى الأطفال مما يحفزهم على التعلم الذاتي و الاستقلالية و النقد البناء و الفكر الحر المسؤول . و يساعدهم ذلك على الاندماج و اكتساب المهارات الحياتية المختلفة : مهارات التواصل، مهارات التفاوض و الرفض ، مهارات التقمص العاطفي ( تفهم الأخر و التعاطف معه ) ، مهارات التعاون و العمل في إطار فريق عمل .. الخ من المهارات.
لكن، إن تنمية القدرات سالفة الذكر لدى الأطفال و الشباب تتوقف أولا على مدى استيعاب القائد خاصيات ” نظام المجموعات الصغيرة ” و كيفية توظيفها خلال الفعل التربوي الكشفي. و ثانيا مدى درايته بمبادئ التواصل و تقنيات التنشيط البيداغوجي.
- 3.تعريف عملية التواصل:
تختلف التعاريف حول عملية التواصل باختلاف الحقول الاجتماعية و التربوية التي تجري فيها، و نسوق هنا تعريفا يتماشى مع عملية التواصل في إطار الفعل التربوي الكشفي، و الذي يعتبر أن التواصل عملية أو طريقة التي يتم من خلالها انتقال المعاريف و القيم و الاتجاهات و المهارات بين طرفين أو أكثر من أجل تأثير أحدهما بالأخر.
كما أنها عملية ادماج الأفراد في موقف العمل الذي يدفعهم للعمل سويا كجماعة منتجة متعاونة مع ضمان الحصول على الإشباع الاقتصادي و النفسي و الاجتماعي و هدفها هو جعل الأفراد منتجين متعاونين من خلال الميول المشتركة و الحصول على الإشباع عن طريق تنمية علاقاتهم بعضهم بالبعض الآخرو توحيدها .
و من هذا المنطلق يمكن اعتبار أن التواصل الذي يتم على صعيد الوحدة الكشفية هو نوع من التفاعل الاجتماعي الذي ينطوي على معارف و خبرات و إحساسات متبادلة بين القائد و أفراده ، و هو يتحدد في العلاقة بينهما حسب نوعية الممارسة الكشفية المتبعة و ما ينتج عنها من نمو معرفي و اجتماعي .
- 4.عناصر التواصل في إطار العلاقة التواصلية بين القائد و أفراده:
عناصر التواصل المتدخلة في العلاقة التواصلية خلال العملية التربوية الكشفية ، متمثلة في:
- المتعلمين (الممارسين للكشفية)
- القائد
- الرسالة التربوية
أ.المتعلمون
يشكل الأطفال و الشباب الركائز الرئيسية في عملية التواصل التي تتم في إطار الفعل التربوي الكشفي فهم يقوم بثلاث وظائف أساسية:
- الوظيفة الانفعالية و التأثيرية:
التي تعني تأثرهم بمحتوى الخطاب التربوي للقائد بما فيه اللفظي (اللغة و الأسلوب اللغوي المستعملين و الأصوات المعبرة عن الأفكار و المعارف المكتسبة ) و غير اللفظي ( حركات الجسم المصاحبة لما هو لفظي للتعبير عن الأفكار و المعلومات ) مما يؤدي به إلى تغيير في تفكيرهم و حفزهم على المشاركة في الفعل التربوي.
- فك الرموز
و تتطلب هذه الوظيفة معرفة المتعلم باللغة المستعملة من طرف القائد و الخلفية المرجعية للخطاب ( المرجعية الكشفية )
- ردود الفعل
لا يقتصر دور الفتية و الشباب في عملية التواصل على مجرد التلقي ، بل إنهم قادرين على القيام بردود أفعال مختلفة ظاهرة كانت أو خفية لفظية أو غير لفظية إيجابية أو سلبية و كلها تعبر عن مدى قبولهم أو رفضهم للخطاب التربوي الذي تلقونه من القائد
ب .القائـــــــــــــــــــــــــــــــــد
أما بالنسبة للقائد فله كذلك ثلاث وظائف في عملية التواصل و هي :
- الخلفية المرجعية
و هي مجموعة من المعارف التي يبلغها القائد للكشافة ، إضافة إلى القيم و القدرات و المهارات التي يعمل على تنميتها لديهم. و تتوقف هذه العملية على مجموعة من العناصر و من أهمها إلمام القائد بالمعارف الكشفية و قدرته على معرفة احتياجات و تطلعات الأطفال أو الشباب الذين يشرف عليهم ، و خصوصيات المرحلة الكشفية التي ينتمون إليها. و قدرته على معرفة قدراتهم و مساعدتهم على استغلالها بشكل أفضل في حل المشكلات اليومية
- مواقف القائد تجاه الآخرين
و يتحدد ذلك من خلال نظرة القائد لذاته كشخص و كمربي و للصورة التي يحملها عن أفراده مع نوعية العلاقة التواصلية بينهما .
- وضعية الإرسال
و هي أهم الوظائف التواصلية بحيث تمثل الأثر الذي يريد القائد إحداثه في أفراده من خلال الأهداف التربوية للمرحلة الكشفية التي ينتمون إليها ، بالإضافة الى معرفة القائد بخصائص أفراده و مدى استيعابه للطريقة الكشفية و قدرته على توظيف مختلف عناصرها و كل ما يتعلق بتدبيرالفعل التربوي الكشفي
ج .الرسالة التربوية للقائد
إن التخطيط لأي فعل تربوي يتطلب من القائد إعداد رسالته التربوية التي تعتبر وسيلة لتحقيق أهداف الفعل التربوي وفق هدف و أسس الحركة و الأهداف التربوية للفئة السنية التي يشرف على تكوينها عن طريق أي فعل تواصلي كما أن هذه الرسالة تحدد في :
- الشفرة :
هنا ينتقي القائد انطلاقا من دوره التربوي ما يناسب الرسالة من مفردات و ألفاظ و حركات و تعبير لفظي أو غير لفظي و أسلوب لغوي ، بالإضافة إلى المعارف الكشفية التي تحملها الرسالة
- الشكل
لكي يضمن القائد وصول محتوى الرسالة يجب أن تكون خالية من التعقيد أو الغموض
- المحتوى
و يقصد به مضمون الخطاب التربوي و يحدد ببعدين :
بعد مؤسساتي : متمثل في المعارف و القيم و المهارات المرتبطة بالمرجعية الكشفية و المرجعية المجتمعاتية و التي نسعى إلى اكسابها للأطفال و الشباب و كذلك القوانين العامة و الخاصة المنظمة للعلاقات بين المربي و المتعلم ما فيها مسؤولية القائد القانونية و الجنائية …..
بعد ذاتي : يتدخل فيه جزء من شخصية القائد فهو يتعامل مع مجموعة من الأطفال و الشباب من خلال أسلوبه و تكوينه الشخصي .
- 5.تحليل العلاقة التواصلية حسب الممارسة الكشفية المتبعة:
إن علاقة التواصل قائد / كشافة تختلف باختلاف نماذج الممارسة الكشفية المتبعة على صعيد الوحدات الكشفية حيث أن كل نموذج من هذه الممارسة يعكس تصور معين للعلاقة بين القائد و الكشافة ، و في نفس الوقت يحدد دينامية العلاقة التواصلية بين هذه الأطراف.
1/ الممارسة المتمركزة حول القائد:
يتميز هذا النموذج التقليدي بتصور مفاده أن الفعل التربوي الكشفي يمارس من طرف القائد على الكشافة ، بهدف تبليغ مجموعة من المعارف و المعلومات الكشفية لفظية أو غير لفظية . فهذا التبليغ هو حد ذاته إخبار وليس تواصل ، حيث أن القائد حين تبليغه لهذه المعارف لا يهتم برد فعل الكشافة فالتفاعل بين الطرفين يكون منعدما أو محدودا،لأن الكشافة يتلقون و يستهلكون المعرفة و يخزنونها فقط ،و بالتالي ففعل التواصل هنا هو فعل عمودي من القائد إلى الكشافة.
ثم إن الهدف من هذا التواصل يرتكز على النجاح أو الفشل حيث يفترض في الكشافة أن يبرهنوا بعد تلقيهم للمعرفة من خلال فعل لفظي أو غير لفظي على درجة نجاحهم أو فشلهم في تخزين المعرفة.
2/الممارسة المتمركزة حول الطفل/ الكشاف
تقوم العملية التواصلية حسب هذا النموذج على أساس أن الطفل/ الكشاف هو مركز الفعل التربوي الكشفي من خلال حريته وقدرته الذاتية على التعلم واعتباره هو الفاعل الأساسي في تكوين ذاته من خلال مبادرته و تجاربه ونشاطه ، لذلك فان مبدأ التعاون والتفاعل والتبادل أساسي بين الطرفين والإبداع الذاتي تشكل في هذا النموذج أهدافا متوخاة من الممارسة الكشفية و التربية الكشفية بشكل عام ، وانطلاقا من الفاعلية الإيجابية للطفل يصبح هو محور عملية إرسال المعلومات ، بينما يتحول القائد إلى متلقي يكتفي بمساعدة الطفل وتوجيهه باعتبار الطفل شريك في البحث عن المعرفة و ليس مستهلك لها فقط .إذ يتحقق إرسال أفقي بين أعضاء الوحدة الكشفية المكونة من قيادات و كشافة.
ومن خلال هذا الإرسال الأفقي فان رد فعل المتلقي يثير رد فعل المرسل أو العكس، إذن فطيلة عملية التواصل يكون هناك رد فعل على رد فعل، أي ما يسمى بالفيد باك أو التغذية الراجعة . و هذا يساعد الطفل استجاباته التي تكون في حاجة للتعديل و تثبيت الاستجابات الصحيحة ( و هذا ما يؤكده جل الباحثين في المجال التربوي ).
- 6. مهارات التواصل
إن من أهم المهارات التي ينبغي أن تتوفر في منشط عملية التواصل البيداغوجي كما يراها OLSEN الباحث المتخصص في مجال التواصل تابيداغزجي تتمثل في :
- مساعدة المتعلمين على التعلم بطرق وأساليب متنوعة كالبحث الاستقصاء
- استثارة دافعية المتعلمين بأنواع التعابير المختلفة اللفظية وغير اللفظية
- توظيف أساليب التعلم من خلال الأسئلة والمناقشة والحوار و مختلف تقنيات التنشيط و التواصل لتنظيم التعلم
- تشجيع المتعلمين على الصراحة والثقة والنقد البناء وتوفير المناخ المناسب لذلك
- الحرص على وضوح أهداف التعلم لدى المتعلمين وصياغتها بشكل محدد يلبي احتياجات هؤلاء وقدراتهم.
- تشجيع العمل التعاوني المتبادل بين أعضاء الجماعة المشاركة في عملية التعلم
- أن يتقن مهارة إدارة المناقشة الجماعية
يتبـــــــــــــــع
شهيد الفضيل
مراجع البحث :
- كتاب نظام الطلائع – المنظمة الكشفية العربية
- أهمية التواصل البيداغوجي – الدكتورة تارزولت حورية