الجزء الأول : تقييم لواقع الحال بالجمعية :
1) ديباجة :
جمعيتنا العتيدة تحتفل هذه السنة بذكراها الثمانين و تعرف حاليا انخراط الجيل الثالث بها : الأول 1933 ،الثاني 1958 و الثالث 1983، و براعمنا حاليا يشكلون بداية الجيل الرابع . شخصيا أنتمي إلى الجيل الثاني حيث انخرطت فيها سنة 1967 و عمري تسع سنوات بفرع مكناس العتيد و بعدها بالدار البيضاء الكبرى و هاده السنة أبدأ سنتي الخامسة و الأربعين بين أحضانها .
تاريخ الجيل الأول يوازي تاريخ الحركة الوطنية المغربية و قد زودتها جمعيتنا بالشهداء و الأبطال المقتنعين بالمشروع التربوي لها و الكامن في أنها أساسا مدرسة الحياة و الاعتماد على النفس ومدرسة الوطنية و الإيمان بحقوق الإنسان و المبادئ النبيلة لتربية الناشئة العارفة بكل واجباتها نحو نفسها، و غيرها، و كدا اتجاه الكون و الخالق عز و جل .
أما الجيل الثاني فقد عرف فترة تثبيت العمل الكشفي بناء على تطبيق الحركة الكشفية العالمية و غير المصطبغة بأي لون سياسي مع اهتمامها في نفس الوقت بتلقين السياسة و الديمقراطية و الشفافية و مبادئ حقوق الإنسان بكل أبعادها. و لعل انتفاضة الجمعية لسنة 1969 و التي اتسمت بإضفاء طابع الاستقلالية على الحركة الكشفية النبيلة عن العمل السياسي التابع لأيدلوجية واحدة ، هذه الانتفاضة أعطت المثل للكل داخل و خارج الوطن عن مدى إمكانية شباب بداية السبعينات على تطبيق المبادئ الحقيقية للحركة الكشفية العالمية و المبنية أساسا على الأخوة و التضامن و تحقيق أهداف الإنسانية في احترام الكون و الطبيعة و حياة الخلاء و جعل الطفل و الشاب معتمدا على نفسه و متضامنا مع الآخرين و دلك بتطبيق المناهج الكشفية المشبعة بالطقوس و المراسيم. وقد أقرت هذه الانتفاضة المشروع التربوي الكشفي الحقيقي هدف كل إستراتيجية العمل الكشفي.
2) مشروعنا التربوي :
البيداغوجية الكشفية مبنية أساسا على التربية انطلاقا من مناهج كلها مواجهة فعالة ، محركها الأساسي و في كل مراحل العمر هو التباري و المنافسة الشريفة في جل ميادين الحياة مع اعتبار اجتياز المراحل في السنوات الأولى من الطفولة(الأشبال) النجمة الأولى و الثانية والسداسي فسداسي السداسيين ثم الانتقال إلى مرحلة (الكشاف) قصد الانضمام للمجموعة الصغيرة أي الطليعة و بداية المنافسة من جديد للوصول إلى مرتبة الدرجة الأولى بعد اجتياز مراحل الثالثة و الثانية. ويلي دلك مرحلة الكشاف فالمتقدم ثم الجوال .
هذا هو المسار الحقيقي لكل مشروع تربوي كشفي و جمعيتنا العتيدة الحسنية تبنته مند تأسيسها و لا زالت . الفرق هو التاريخ المتجدد دائما و كدا تطور العصر و تطور المعرفة و الثابت دائما هي طقوسنا : الغاب، نار المخيم، التفتيش، لعبة الكنز رموز الطريق، الاتجاه بالبوصلة، الخرجات، المخيمات، الرحلات، الشارات و الأوسمة ، نصب الخيمة ، التقدم بالتدرج المعرفي…. باختصار حياة الخلاء و حب الغاب و الطبيعة بكل مكوناتها .
3) أين نحن من هذا المشروع الآن :
هدا المشروع العالمي و الملزم لجل الجمعيات الكشفية، انخرطنا فيه نحن شباب بداية الاستقلال، و أكثر من دلك أثر في صقل شخصيتنا أساس مستقبلنا. الحمد لله نجحنا بداية السبعينات و الثمانينات رغم ضعف الإمكانات النسبية أنداك. المشروع قوى متعة التطوع لدينا لأننا مارسنا الكشفية الحقيقية و التي كانت تزود الجمعية بالطاقات و الشباب و الأطفال. كان هم مسؤولينا أنداك الحفاظ على تماسك السداسية و الطليعة، مراقبة إدارة و مالية الوحدة الصغيرة، برنامج سنة مبني كل ثلاث أشهر على اجتياز المراحل داخل النادي و بالغاب ، و في كل صيف يكون المخيم تتويجا لسنة من الجهد و الكد
و الاجتهاد و لا نلجأ لسبورة الإعلان عن المخيم لأن المشاركين فيه معروفون شهرا أو شهرين قبل الإعلان عنه خصوصا و عدد المقاعد محدود و لا يشارك إلا المجتهد والمتميز.
السداسية و الطليعة خلال سنة تنظم إدارتها ، تطور مداخيلها المادية، تقتني تجهيزها ، ترفع من مستوى تفاهم مكوناتها، تتنافس مع السداسيات أو الطلائع الأخرى محليا. و تشارك في التجمعات الوطنية كطليعة أو سداسية للتنافس وطنيا و من ثم حب الكشفية و حب الجمعية و حب الأصدقاء و الصديقات من كل المدن و كدا في المحافل الدولية . لا فرق بين فقير
و غني فالزي يوحدنا. لكل هدا كان المتطوعون كثر، الذهاب إلى النادي أولوية، الالتزام بالقسم و الوعد و القانون شرفا
و حقق مبدأ أن الحركة الكشفية هي حركة تلازم المنخرط من المهد إلى اللحد .
4) وضع الجمعية حاليا و في نظري :
قبل التطرق لتحليل وضع الجمعية كما أراه، أشير إلى أن هدا النقد لا يهدف الى القذف أو التقليل من أهمية أي مسؤول في الجمعية وطنيا و جهويا و محليا. التحليل يهدف فتح نقاش جاد عن الوضع الحالي بطريقة موضوعية، و أعتبر بأنني لا أمتلك كل الحقيقة.فهدا تقيمي الشخصي و لكل قارئ أن يقبله أو يرفضه.
فمند أول مؤتمر للجمعية، وقع اختيار المنهج الديمقراطي كأساس لتسيير الجمعية ووسيلة لتحقيق أهداف المشروع التربوي . و أضيف في بداية التسعينات نظام الجهوية لتسهيل تطبيق البرامج الكبرى و متابعة تطبيق الأهداف المسطرة جهويا
و محليا . و خلال العقد الأخير( عشر سنوات الأخيرة) قامت الجمعية بعدة أنشطة وطنية إشعاعية لكن لوحظ تدني تطبيق المشروع التربوي، و فقدت – الوحدات الصغيرة ( السداسية، الطليعة، الدورية) و الوحدات الكبيرة ( السرب الكتيبة، الفوج ) و كدا الفرقة و الفرع- إشعاعها ، و غيب الفرع و الفرقة و طغى النشاط الوطني التهريجي و المهرجاني على تجمعات الأسراب و الطلائع ، و غيب أيضا النظام المحلي و الجهوي لصالح البرامج الوطنية الكبرى المرهقة لكاهل خلايا الجمعية و المصطبغة بهاجس التهريج تحت شعار تنمية الموارد دون أن تصب هذه الإمكانيات في ضخ الأكسجين الكافي لخلايا الجمعية من فرق صغيرة و متوسطة و كبيرة ، فهمش السرب والطليعة و الكتيبة و الفرع ،كما همشت الجهات و طغت خلافات الرأي بين المسئولين الوطنيين ، و لم تحسن طرق فض النزاعات بينهم ، رغم أن النزاعات في جمعية حية اختارت المنهج الديمقراطي و كدا حرية الرأي و الرأي الآخر كانت مشروعة ، الا أنها أدت الى اصطدامات و نزيف عدة طاقات كشفية مما أفرغ الجمعية من خزان قادتها و أطرها .
5) تشخيص قبل اقتراح البديل :
البرنامج التربوي الكشفي ضعيف / المنهج الديمقراطي مختل / عضوية هزيلة بالمقارنة مع فترة تسيير المدن بالفرع الوحيد و قلة الإمكانيات سابقا مقارنة مع ما هو موجود حاليا / عدم ربط تكوين الأطر بضرورة تنمية العضوية/ قوانين و أنظمة تغير بشكل جدري كل مؤتمر دون التطرق للداء الحقيقي الذي ينخر الجمعية / إدارة وطنية مختلة بشكل كبير و تطوير ملحوظ لمدا خيل الجمعية مع سوء تدبير لطرق صرفها و خصوصا هضم حقوق الفروع و الجهات من الاستفادة من خير الجمعية : ( بداية السبعينات ميزانية تصل الى أقل من 10 مليون سنتيم للسنة ، المؤتمر السابع 2005 ميزانية تقارب 200 مليون سنتيم للسنة) و رغم ذلك نلمس عضوية و إشعاعا ضعيفين مع انعدام الدعم للفروع و الجهات / غياب شبه كلي لدعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حجر الزاوية في مشروع جمعيتنا التربوي و الاجتماعي / إعلام داخلي ضعيف و تواصل صعب، مع توثيق و نشر غير واضح المعالم / جامعة غائبة عن كل ما يحيط بها و عدم وضوح رؤية الجمعية بهدا الخصوص / علاقات دولية في الكواليس و لا إستراتيجية واضحة للاستفادة منها وطنيا، جهويا و محليا / مخيمات صيفية تعبر سنة بعد أخرى عن مدى تدني تربيتنا و تكويننا و خصوصا ابتعادنا عن مشروعنا التربوي الكشفي السهل التطبيق و لكن الصعب التدبير أمام اختلاط الأهداف و عدم وضوحها .
تشخيص مر للأسف لذا أرى بأن الوقوف عليه يشكل بداية لسلك طريق التصحيح . ايجابيات جمعيتنا الأساسية هو وصول أعضائها إلى الصراحة الكافية للاعتراف بواقع الحال و من ثم النقاش الجماعي و المثمر قصد وضع الإستراتيجية الحقيقية لتحقيق أهداف مقترح البرنامج التقويمي المستعجل، القريب، المتوسط و البعيد المدى من أجل الطموح إلى الأفضل .
القائد سعد بنمنصور