نحن الدين أدركنا حقيقة قيمة التربية الكشفية وعرفنا مصالحها وما في طياتها من نعم، نأسف عميق الأسف لكون أبنائنا وحفدتنا لا يعرفونها وربما لن يعرفوها.
الحسن الثاني
في الجلسة الافتتاحية لأشغال المجلس الأعلى للماء الذي انعقد يوم الخميس 10 شوال 1308-26ماي 1988 توجه صاحب الجلالة الملك المعظم الحسن الثاني في خطابه القيم إلى قضايا مهمة اجتماعية واقتصادية تتعلق بالماء، وكان خطابا رائعا موفقا تناول فيه حفظه الله قضايا الشباب الذين يريد منهم أن يكونوا طموحين حساسين مقاديم، ينعمون بفيض الحياة وغنى الروح، وثقة الخلود، بالإضافة إلى أن يكونوا أقوياء مجدولي العضلات مفتولي السواعد في إطار النشاط الكشفي الذي كان فيه حفظه الله المثل الأعلى للشباب المغربي:
قال حفظه الله في هذا الخطاب:
” ثانيا لا تكلف هذه البحيرات الدولة أو القائم بها تقنية واسعة بل تكلفه فقط الطموح لجهته والأمل في تحسين ناحيته. وكأنني أرى في الشهور المقبلة حينما ننكب على عملية مهمة من هذا القبيل في إطار مخطط وكأنني كل يوم جمعة وكل يوم أحد شبابنا من جميع القرى التي تجاور البحيرات يذهب هو نفسه ويعمل ذلك اليوم ويرجع إلى الروح والفلسفة والمتعة للتربية الكشفية. فنحن الدين أدركنا حقيقة قيمة التربية الكشفية وعرفنا مصالحها وما في طياتها من نعم نأسف عميق الأسف لكون أبنائنا وحفدتنا لا يعرفونها وربما لن يعرفوها.
فهذه مناسبة أخرى لنجمع شبابنا ولنجعله يساهم في بناء شيء من الأشياء لأنه في مجموع الشباب الذي يشارك في هذه البحيرات التلية سيكون من الوزراء النابغين ومنهم من سيكون من العمال الأكفاء ومنهم من سيكون من المهندسين ومنهم من سيكون من المنتخبين. فبهذه الطريقة سيمكننا أن نأخذ الشاب منذ بلوغه سن الرشد ونحن نجنده لأن يعمل لبلده ويبني بلده. لن نجنده على طريق الحزب الوحيد أو الديكتاتورية.. لا: فهذا تجنيد غير مفروض بل تجنيد يخلق النشاط ويقوي الرابطة الحيوانية التي تربط المرء بالأرض”.
وعملا بهذه التوجيهات السامية الواردة في خطاب جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله بمناسبة انعقاد المجلس الأعلى للماء ومن أجل وضع هذه التوجيهات موضع التنفيذ انعقد بمقر وزارة الشبيبة والرياضة يوم الثلاثاء 31من نفس الشهر اجتماع وزير الشبيبة والرياضة حضره أعضاء مكتب الجامعة الوطنية للكشفية المغربية ورؤساء الجمعيات الكشفية العضوة في الجامعة ونواب الوزارة بعمالات وأقاليم المملكة.
وفي البداية عبر المجتمعون عن اعتزازهم للالتفاتة الملكية الكريمة التي خص بها جلالة الملك الحركة الكشفية ثم اجتمعوا على اعتبار يوم 26 ماي اليوم الوطني للحركة الكشفية بالمغرب.
وإثر ذلك عبر المجتمعون عن كامل أهبتهم واستعدادهم لبلورة وتجسيد الفكر الحسني المبدع ووضع نداء صاحب الجلالة موضع التطبيق من أجل تحقيق الأهداف والمرامي المتمثلة في:
تربية المواطن على المبادئ الكشفية واستلهام فلسفتها طبقا للتوجيهات الملكية السامية.
المساهمة الفعالة في بناء الوطن وذلك بالاستفادة مما تمنحه الحياة الكشفية من وسائل وتيسره من طرق ترمي إلى تغطية مختلف مجالات الخدمة الاجتماعية والعمل التنموي.
خلق وتوفير الأرضية الصالحة لممارسة العمل الكشفي وطلك بالسعي إلى الحصول على صفة النفع العام لفائدة الجامعة الوطنية للكشفية المغربية.
البحث عن وسائل التنشيط الكشفي بتنظيم مبادرات اجتماعية وثقافية والمساهمة في مختلف المشاريع التنموية وفي مقدمتها مشاريع التشجير وبناء البحيرات والسدود التلية.
دعم خطة الجامعة في مجال تكوين الأطر.
ومن أجل أن تأخذ هذه الغايات طريقها نحو الإنجاز تم تكوين لجنة دائمة مشتركة بين وزارة الشبيبة والرياضة والجامعة الوطنية للكشفية المغربية يمكن تطعيمها بقطاعات حكومية وشبابية أخرى كلما دعت المصلحة إلى ذلك.
كما تقرر أن تعقد اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة 3 يونيو.
لقد قيض الله للحركة الكشفية في بلادنا من وسائل النجاح والتوفيق، والفلج والظهور، والازدهار والاستمرار عندما ألهم مؤسسيها أن يقرنوها باسم” الحسن” وهو طفل لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره لتسير مع حياته السعيدة جنبا إلى جنب في نموها وقوتها ومراحل كفاحها صلبة العود. قوية الشكيمة تصارع وتناضل، وتكسب المعركة من الكفاح وتصبح ذات كيان تحتل مركزها بين أعضاء المنظمات العالمية، وتتحمل قسطا بينها من الحقوق والواجبات.
وقد صرح جلالة المغفور له مولانا محمد الخامس في هذا الصدد بقوله:
” إننا ما فتئنا نهتم بالكشفية، وقد أمرنا ابننا، ولي عهدنا الحسن أصلحه الله، وهو لا يزال في السن الرابعة عشرة أن يلبس بذلتها بمجرد ظهورها في المغرب، كما أذنا له بأن يقبل رئاستها الشرفية”.
” وكانت الكشفية من عوامل تأجيج الحماس في نفوس الشبيبة وتربيتها على الأخوة والتعاون، والاعتماد على النفس، ونكران الذات، مظهرا من مظاهر كفاحنا الوطني”
كانت بداية هذه الانطلاقة المباركة يوم 9 يناير 1934، وهو تاريخ الظهير الشريف الذي أصدره جلالة محمد الخامس بتنصيب سمو ولي عهده مولانا الحسن رئيسا شرفيا للكشفية الحسنية التي حملت اسمه، وحظيت برعايته… وهو الحدث الذي أكسبها المناعة والحصانة، وضمن لها البقاء والخروج منتصرة من كل معركة خاضتها ضد ما كان يدبر لها من مكائد، وما يوضع في طريقها من عراقل تستهدف محوها بأساليب تعددت ألوانها حسب اختلاف الظروف السياسية التي كان يعيشها المغرب في فترة مقاومة الوجود الأجنبي وسيطرته.
وقد طبعت الرعاية الملكية للكشفية الحسنية بطابع الـتأييد الفعلي حيث أنه لم يمر شهر على صدور الظهير الشريف المشار إليه حتى أقامت الجمعية مهرجانا حضره سمو ولي العهد، آنذاك، الأمير مولانا الحسن، حيث تسلم البذلة الكشفية الرسمية ولقب بأمير الأطلس.
ولم يفتأ جلالة الحسن الثاني يولي هذه الحركة التي تتشرف بحمل اسمه الشريف من عطفه، وتشجيه وتوجيهاته النيرة في كل مناسبة، وهي عديدة ومتوالية…
فلا تمر مناسبة دون أن يقع اتصال قادة الحركة الكشفية برئيسهم الشرفي، أمير الأطلس، ولي العهد آنذاك الحسن الثاني الذي كان يحضهم على المثابرة والجد ومواصلة العمل، وتطبيق مبدأ الكشاف: “الكشاف مستعد” الكشاف يبسم في وجه الصعاب، وينشد في محنته”.
لقد كان جيل الحسن الثاني الذي تربى في أحضان الكشفية الحسنية قد تشبع بروح جلالته الوثاب، ووطنيته الصادقة، وارتوى من ينابيع حب العرش المقدس، فقرر أن الوقت قد حان للفداء والجهاد، حينما نادى منادي الجهاد برورا بقسم اليمين على الوفاء، وبذل الروح..
وقد تقد إلى ميدان الوغى وحومة الفداء، في أربعة أقاليم مغربية من فروع الكشفية الحسنية أربعة أبطال من جولاتها وقادتها المعروفين ليعطوا البرهان العملي القاطع على إخلاصهم لعقيدتهم، واهبين أرواحهم فداء للعرش…
فكان المرحوم علال بن عبد الله عضو عشيرة يوسف ابن تاشفين بالرباط.
والمرحوم الزرقطوني عضو قيادة فرع الدار البيضاء… والمرحوم حمان الفطواكي أحد جوالة مدينة مراكش.
والمرحوم الشفشاوني قائد عشيرة مدينة فاس.
وتلك أسماء لامعة في تاريخ حركة المقاومة والفداء، خلدوا أرواحهم في الملأ الأعلى، وحظيرة القدس، وسجلوا أسماءهم على صفحات الخلود وكانوا خير قدة للشباب المغربي، ولمن تلاهم من المجاهدين الصابرين…إنهم أعضاء الكشفية الحسنية.
لقد أسدى الحسن الثاني للكشفية الحسنية أجل الخدمات، وقدم لها ما يساعدها على القيام برسالتها، من أجل ذلك قرر المكتب الكشفي العالمي بعد استئذان جلالته عام 1963 أن يمنحه لقب الرئيس الشرفي للمجلس الأعلى للحركة الكشفية العالمية الذي يضم ملوك ورؤساء الدول المنخرطة، وتم ذلك بواسطة مبعوث خاص حظي بمقابلة جلالته بالرباط لهذه الغاية.
بل إن جلالته أبى حفظه الله إلا أن يزيد من تدعيم هذه الحركة التربوية ويعيد نفس التاريخ، فمنح إذنه الشريف بتنصيب سمو ولي عهده سيدي محمد يوم: 7 أبريل 1968 شبلا أعظم، وهو في سن جلالته عندما تم تنصيبه أميرا للأطلس.
من أجل ذلك وجه صاحب الجلالة حفظه الله يوم 26 ماي عام 1988، وهو يفتتح أشغال المجلس الأعلى للماء نداءه التاريخي إلى شباب هذه الأمة، ويلفت انتباهها إلى أهمية الحركة الكشفية فقال:
وكأنني أرى في الشهور المقبلة حينما تنكب على عملية مهمة من هذا القبيل في إطار مخطط، وكأنني أرى كل يوم جمعة، وكل يوم أحد شبابنا من جميع القرى التي تجاور البحيرات يذهب هو بنفسه، ويعمل ذلك اليوم، ويرجع إلى الروح والفلسفة والمتعة للتربية الكشفية، فنحن الذين أدركنا حقيقة قيمة التربية الكشفية، وعرفنا مصالحها وما في طياتها من نعم، نأسف عميق الأسف لكون أبنائنا وحفدتنا لا يعرفونها وربما لن يعرفوها
دعوة الحق