تمهيد
من لا يوافقني أن أبرز حدث عرفه المنتدى الأسابيع السابقة هو تنظيم الندوة على الهواء ، و هذه مبادرة يجب تشجيعها و تثمينها . و بغض النظر عما تمت مناقشته كموضوع و محاور خلال الندوة ، أريد أن أتناول هذه المبادرة من منظور تربوي / بيداغوجي لأنها تشكل نموذجا يحتذى به
في مجال التكوين عن طريق المشاريع، بحكم أن هذا المشروع الإعلامي المتميز نبع من رغبة جامحة تحدو مجموعة من قادة شباب، حيث قرروا المساهمة بأسلوب تشاركي في بناء مشروع متكامل، و وظفوا خبرتهم الذاتية المكتسبة في المجال الإعلامي من أجل تقديم منتوج إعلامي لتبليغ رسالة إعلامية لأعضاء المنتدى. مما لاشك، فيه أنه خلال تحضيرهم لهذا المشروع أنهم عملوا على توزيع المهام فيما بينهم، و حددوا احتياجات المشروع، ثم و ضعوا خطة عمل لتنفيذه. فحققوا الهدف المتفق عليه . و من المؤكد بعد إنجاز المشروع و تقييمه سيتمكن الإخوة القادة من اكتساب خبرات جديدة مما سيحفزهم من الانطلاق في مشروع آخر.و هذه الخطوات أساسية لبناء أي مشروع، الذي لا يعتبر غاية في حد ذاته بل كوسيلة لتنمية القدرات في مجال التكوين و التكوين المستمر بمنهجية عقلانية تنبني على أسس علمية.
فالمشروع مهم في حياة كل واحد منا كأشخاص بحيث يمكننا من تحديد أهداف حياتنا اليومية و اختيار الوسائل و الامكانات لتحقيقها.و هو ديناميكية حية تنبعث من الطبيعة البشرية قصد تحقيق رغبات و أحلام ذاتية. و إعداد أبناءنا و بناتنا للمستقبل بتنمية قدراتهم و كفاياتهم اللازمة ليتحكموا في مساراتهم المتعددة في الحياة، كانت دراسية أو مهنية أو ثقافية …. أصبحت ضرورة ملحة.
و هذا لن يتأتى إلا إذا أدرك القائد أو المربي أهمية ” بيداغوجية المشروع ” في مساعدة المتعلمين على تنمية قدراتهم الذاتية الفكرية و الذهنية و تعويدهم على حل المشكلات بأنفسهم في وضعيات مختلفة. و هذا هو الهدف الذي تسعى إليه الحركة الكشفية كما عبر عنه ( بادن باول): هو “تكوين مواطنين سعداء ونشيطين و نافعين “.
أهمية بيداغوجية المشروع في تطوير الممارسة الكشفية
انطلاقا مما سبق، أصبح من اللازم على الساهرين على الشأن التربوي في جمعيتنا أو جمعيات كشفية أخرى تبني مقاربة التعلم والتكوين بواسطة المشاريع كاختيار بيداغوجي حداثي و حديث، أثبت فعاليته في جمعيات كشفية سباقة في مجال البحث التربوي و الكشفي، كإستراتيجية للتعلم و التكوين في مجال التربية الكشفية على صعيد المجموعات و الوحدات الكشفية و تكوين القيادات في مختلف التخصصات محليا و جهويا و وطنيا،لأهميتها في مساعدة المتعلمين ( الأعضاء في الحركة) على تنمية قدراتهم الذاتية و تفاعلهم مع محيطهم الاجتماعي بشكل إيجابي.و ينمي هذا الأسلوب من التعلم في المتعلم منهجية البحث و التقصي لتحديد اختيارات ، و اتخاذ قرارات ، و وضع خطة تنفيذية لتحقيق أهدافه، و تشجيعه على إظهار كفايات ذهنية تسمح بتطوير دائرة معارفه ( القدرات المعرفية، و المهارتية و الوجدانية)و الانتقال من المجرد الى التطبيق . كما تشجع روح التعاون بين المتعلمين لتنفيذ مشاريعهم. مما لاشك فيه، بهذا الاختيار، سوف تدعم الجمعيات الكشفية دورها المساهم في التنشئة الاجتماعية للأطفال و الشباب،و تكوين شخصيتهم و اعدادهم للعيش في المجتمع.
و قد أشار المشروع التربوي للجمعية -الذي صودق عليه في المؤتمرين الأخيرين و لم يتم تنزيله للتطبيق على أرض الواقع – في إحدى فقراته إلى ضرورة ترسيخ نظام المشاريع في ممارستنا الكشفية و التربوية. و أكد أن نظام المشروع ينبع من الأصالة الكشفية، حيث يعتمد على الطريقة الكشفية لتنشيط الوحدات والجماعات الكشفية ، و إشراك الأطفال/ الشباب في تدبير الأنشطة التي يختارونها حسب ميولهم و خصائصهم السنية.
من هذا المنطلق يمكن اعتبار ” نظام المشاريع ” كوسيلة تربوية لتنشيط الوحدات الكشفية لتحفيز الأطفال/الشباب على المشاركة و العمل و المثابرة، و تمكينهم من اكتساب كفايات جديدة خلال إنجاز المشروع يمكن تعبئتها لمواجهة وضعية جديدة مما يعطي معنى للتعلمات على أنها ادوات تمكن من فهم الواقع الحقيقي ومواجهة هذا الواقع بشكل جدي وواضح .
فالجمعيات الكشفية السباقة إلى اعتماد “بيداغوجية المشروع” في ممارستها الكشفية أضفت على المشروع صبغة كشفية، بحيث ربطته “بالإطار الرمزي” ليستخدم كعنصر من عناصر الطريقة الكشفية، و أعطته تسميات حسب خصوصيات كل مرحلة كشفية، على سبيل المثال اقترن ” مشروع الوحدة ” باسم ” الصيد ” بالنسبة لمرحلة ” الأشبال و الزهرات ” و باسم ” المغامرة” بالنسبة لمرحلة “الكشافة و المرشدات ” الخ….. بذلك أصبح المشروع ضمن البرامج الكشفية المتدرجة و المثيرة، و يتضمن أنشطة متنوعة تنطلق من رغبات الأطفال/الشباب. و عند الانتقال من مرحلة الى أخرى من المشروع يتم تطبيق جميع عناصر الطريقة الكشفية من طرف جميع الشركاء في المشروع ( قيادات و أفراد). كما أنه يوفر للقائد/المربي منهجية عملية و علمية تمكنه من تحسين أداءه التربوي بأسلوب واضح و سلس.
الأهداف التربوية لبيداغوجية المشروع:
يمكن تلخيص الأهداف التربوية العامة لاعتماد بيداغوجية المشروع في النقط التالية:
- ـ الربط بين الممارسة العملية والفكر .
- ـ التوافق مع ميول وقدراتهم لدى الطفل أو الشاب
- ـ تأسيس التعلم على النشاط الذاتي للطفل/ الشاب.
- ـ تعديل السلوك واكتساب عادات وخبرة جديدة ومواقف إيجابية .
- ـ ربط التعلم بمواقف الحياة الاجتماعية.
- ـ تعويد المشتغلين على المشروع اتباع الأسلوب العلمي في التفكير وفي حل المشكلات التي تعترضهم
- ـ تكوين مواقف التعاون والعمل الجماعي والاعتماد على النفس
بناء على هذه المعطيات، يمكن اعتبار بيداغوجية المشروع اختيار بيداغوجي استراتيجي بإمكانه أن يساهم في تحقيق أهداف الحركة الكشفية بجانب الأنشطة الكشفية الأخرى . و يعالج إشكالية تطبيق الطريقة الكشفية بشكل سليم و أسلوب سلس على صعيد جميع التنظيمات الكشفية . و بذلك يعطي قيمة مضافة للبرنامج الكشفي و الممارسة الكشفية ككل.
شهيد الفضيل