قضيت خمسة ايام كانت ممتعة تعلمت فيها الشئ الكثير صحبة زمرة من القادة والأفراد ضلوا اصدقاء لي … رجعنا فاس ولم يبق للدخول المدرسي سوى عشرة ايام . لم التحق بالدراسة في بدايتها لأزمة صحية ألمت بي وما كدت ادخل حتى فجعت بفقدان خالي . صدمة كبيرة اصابت العائلة بهذا الفقد . كان ركيزة من ركائز العائلة . وبعد اقل من أشهر فقط على عرس اختي ورسم حناءها لم يندثر بعد . وأخذت الحياة رتابتها . مشوار الذهاب والعودة من الثانوية البعيدة . واجتماعات أولية قبل الافتتاح الرسمي وخرجات خلوية لعين الشقق وسيدي حرازم .وأول خرجة مشيا حتى حامة مولاي يعقوب . حل الشتاء اقتربت عطلة رأس ألسنة كنّت انوي قضاءها في البيت وبين أحضان العائلة ومنزل اختي الجديد بدرب الزيات في البطحاء .لكن قبلها بيومين ، لا ادري أكانت صدفة او انتظارا . وجدت القائد عبد العزيز بباب الثانوية . اخبرني عن تدريب في فنون المهارات الكشفية بالمعمورة واخْتِرتُ لتمثيل الفرع به وعلي الالتحاق يوم الاثنين المقبل بالمعمورة. لا معلومات اخرى. من سيكون ؟ هل سأكون الوحيد من الفرع ؟ سألت بوخاتم ، لا يعلم عنه اي شيء . وأصبحت في حيرة المشاركة أوعدمها خاصة أني لست مستعدا ماديا وحتى نفسيا للمشاركة في أي نشاط . لكن ستفوتني فرصة تجريب شيء أخر . لقاء في المهارات الكشفية . ان لم يكن ما سأقدمه فسيكون ما سأستفيد منه . استطعت تدبير كلفة السفر ذهابا وإيابا لا تزيد الا دريهمات قليلة وحزمت أمتعتي مساء الأحد وغادرت المنزل في الصباح الباكر بعد توديع أبوي فقط . تكبدت عناء الطريق من المنزل الى المحطة في ذلك الصباح البارد والمطر لأوفر ثمن سيارة الأجرة . أخذت حافلة السابعة والنصف . أكملت ما في عيوني من نوم حتي وصلت المنعرج الكبير ونزلت عنذ مدخل الغابة،ثم الدرب الطويل .لم اكن اول الواصلين المعمورة . وجدت قادة من فرع مكناس من بينهم المهدي ملوك والفاسي . تسجلت في اللوائح وانزويت الى ركن كان في يوم مكان خيمتي . عدت بالذاكرة لأيام لقاء العرفاء ومخيمات اخرى مع الفرع وخاصة الخمسة ايام الاخيرة . كل مرة أتفحص وجوه القادمين علني اجد من اعرف لكن كل الوافدين اغلبهم قادة . وقفت شاحنة صغيرة أفرغت حمولتها من أعمدة حطب الكليتوس كمية هائلة من مختلف الاحجام . تساءلت مع نفسي ماذا سيفعل بها كلها ؟ تلتها شاحنة أخرى تحمل صناديق حديدية وأخرى خشبية عرفت انها للأدوات العمل . قائد بصوت جوهري يصيح وينادي عن اسماء لاستقبال الشحنة علمت من بعد انه الحاج المختار حومين المكلف بتجهيز الجمعية كلها .تعاونا في ادخال التجهيزات الى خيمة كبيرة في مدخل المخيم وبعدها جلسنا للغداء . خيمتان ملتصقتان جوار السور الفاصل عن المعهد.
سمعت من خلال حديث دار حول التدريب ونوعية الحاضرين كلهم قادة من كافة فروع الجمعية الثمانية عشر لتبادل الخبرات في مجال الفنون الكشفية. وان المشاريع حرة كل مجموعة ستعمل في اي إنشاءات دون تقيد . فهمت ان الثلاثين بما فيهم قادة التدريب والحاضرين وقتها هو العدد المنتظر .وقتها أحسست بالغبن كنت اصغر عنصر قزم في حضرة عمالقة وان كانت قامتي الطويلة توحي بغير ذلك . لم يشعرني احد بهذا ولكن صوت داخلي يقول لي هذا .ألم يجد عبد العزيز غيري من القادة او على الاقل احد اكبر سنا !! ام طول قامتي أوحت له بهذا؟ …. أكملت الغداء ووجهي لم يرفع عن الصحن احسب كل قهقهة تعنيني وكل كلام موجه لي او موجه لقائد عبد العزيز . لم أتذوق طعم الأكل .أكلت وكفى وهربت بعد الأكل منزويا اقرأ في كتاب جلبته معي حتى نودي للاجتماع . جلست في الخلف اسمع وأقلب ناظري بين المتدخلين حتى فاجائني قائد من خريبكة ” القايد الصقلي تكون معانا في المجموعة ؟؟ ” أجبت دون معرفة من هي ومن هم المجموعة ومن هم المجموعات الاخرى . هكذا وجدت نفسي في وسط مجموعة مكونة من خريبكي بيضاوي مكناسي ومراكشي في خيمة كبيرة . أخدنا تجهيزا فيه كل ادوات الحطب وحبال ومسامير … بعد العشاء جلسنا نعد التصاميم . هناك من جلب تصاميم معدة وهناك من اعدها في ساعتها كانوا يتناقشون حول هذا التصميم او ذاك وانا اسمع وانظر . في النهاية اختاروا ثلاث تصاميم اذكر اني علقت على تصميم وقلت انه لن يكون صالحا نظرا لعدم توافق الزوايا وإمكانية تطابقها مع طبيعة الحطب . لم اكن أتكلم معهم بلغة الفنون الكشفية ولكن بلغة حرفية بصفتي ابن نجار واعمل في النجارة . اقتنعوا بملاحظاتي وطلبوا مني تعديل التصميم . كان تعديلا بسيطا لا يستحق كل ذلك الثناء واتفقوا ان يعتمدوا تصميمي وانطلقنا مباشرة للعمل في ذلك الليل بجلب الحطب قرب الخيمة وتصنيفها حسب كل تصميم . في الصباح الباكر بعد استيقاظ عسير نتيجة برد تلك الليلة المطيرة وخيمة كبيرة يلعب في داخلها تيار بارد وقلة ساكنيها ، خمسة عناصر فقط ، وبعد عقوبة الاغتسال بالماء البارد ذهبنا للافطار نتدفأ بحرارة السائل في كؤوسنا .قبل التاسعة بدأنا العمل ، ودب فينا الدفئ بالحركة بنقل الأعمدة وقطعها واستعمال الأدوات زاد من نشاطنا بعد كل خطوة في البناء نتدارس ما قمنا به اسمع اكثر مما أتكلم وأتكلم في تقنيات اعرفها فقط وينتقل الأفراد بين المجموعات الاخرى نرى عملهم ونتناقش . احيانا ينطلق نشيد من هنا او هناك فتسمع كل يردده ونحن نشتغل او نترك كل شيء وننخرط في لعبة او نقاش تربوي أو كشفي أو حتى عام .مرت الأيام الخمس جعلت الساحة الكبرى وكانها مدينة من خشب بوابات ، ساريات العلم سبورات النشر حاملات أجربة وأواني وطاولات وافرنة للطهو معلقة ومغاسل … كان الكل يساعد الكل يتشاورون حول نوعية العقد وكيفية تقطيع واستخدام البلطة والمعدات الاخرى . تركنا كل شيء وغادرنا في اليوم السادس دون ان اعرف مصير تلك الإنشاءات . أذكر اننا بقينا حوالي ساعتان ونحن نتشاور حول الطريقة الأنجع لصب الماء من المغسل — من إنجاز القائد الفاسي — … هكذا انتهى التدريب كان لقب القائد يردد دائماً حتى اشعرني احيانا بالحرج او بإحساس بالتهكم . لكن اضن انه كان صادقا .