الجمعة 28 غشت 1980 يوم مشهود بمخيم بوزنيقة منذ الصباح توقفت جميع الانشطة , وعبد الباسط عبد الصمد يصدح بآيات قرآنية في مذياع مخيم فرع مكناس ـــ هذا التسجيل الذي سمعته كل صباح بالمخيمات التي جمعتنا بفرع مكناس من السعيدية 79 الى غاية 1990 وكأنه التسجيل الوحيد لمقرئ وحيد يردد سورة التكوير بالقراءات السبع ولم نكن نعلم ساعتها ان للقرآن الكريم سبع قراءات حتى الجامعة – . لبسنا ازياءنا وتوجهنا لمسجد المخيم لتأدية صلاة الجمعة وبعدها صلاة الغائب على روح الشهيد الغريق . مراسيم دينية تلتها المراسيم الكشفية في الرابعة افتتحت بآيات ببنات تلاها احد الكشافة تم فاتحة جماعية نكس العلم طيلة الايام الاربع لم يدخل ولم يرفع . وعرفاء الطلائع نكسوا ألويتهم ايضا حتى نهاية المراسيم . تكلم القائد العام عبد الجبار ثم قائد اللقاء معزيان اسرة الشهيد وجميع ألحاضرين ومذكرين بروح الكشفية وبنودها وقضاء الله وقدره . تفرقنا في صمت وبنظام كان شبه عسكري وكأننا تدربنا عليه من قبل . بل كان عفويا نتيجة الثأتر بفقدان فرد من جمعيتنا . هكذا انتهت نكبة هذا المخيم وهكذا تستمر الحياة لكن تبقى الذكرى ويحضر الحذر والأخد بالأسباب.سهر كل مخيم وانشد وهرج وتعالت ضحكات الكشافة والاشبال. في اليوم الموالي نزلنا البحر وتناسى كل منا ان هنا فقدنا شبلا لعبنا وسبحنا وجلسنا على الرمل وتحت الشمس نزيد جلودنا سمرة … كل يوم ننتظر اللعبة الكبرى كل يوم ننتظر الليلة القمرية وسهرة المغامرات فايام المخيم اوشكت ان تنقضي . مرت اللعبة الكبرى في جو من التنافس والمغامرة كل يريد الفوز , اذكر اني قطعت بالطليعة واديا عفنا لنربح ساعة من الزمن لأصل المركز الموالي كانت حماقة وبخت عليها من طرف القادة .ولم نفز بالكنز . ذات مساء وبعد ساعة من نومنا ايقظنا القائدان الرفيق وجمال خرجنا مسرعين لساحة المخيم الفرعي. وجدنا القائد بوخاتم يصيح بكلام غير مفهوم لشدة بكاءه. لم نفهم منه شيء سوى كلمت اختفتا تم اوقفنا القادة على شكل طلائع وبدؤوا يحكوا لنا عن اختفاء مرشدتين هما اختي القائد ادريس . اذكر انه عنفهما عند وجبة العشاء . اعتقدت انه خلاف بسيط بين الاخوة .لكن اكد لنا وهو يبكي انهما اختفيا مباشرة بعد السهرة وعلى كل من يعرف شيء ان يتكلم ويستحيل ان يرجع لفاس بدونهما .في هذه اللحظة وصل القائد بوثنين مرفوقا بقادة من مكناس يستفسر الخبر , ويلومنا عن عدم تنفيذ دوريات الحراسة كما امرنا وان علينا البحث او سيكون العقاب شديدا . اذكر انه صفع احد الكشافة لرده انه لا علاقة لنا بما حصل .انطلقنا نعدو في كل اتجاه طلائع وقادة من البحر لباب المخيم وصولا الى الطريق العام ورجوعا الى المخيم , ثم نجوب أنحاء المخيمات المجاورة وحتى حقول العنب الممتدة قبالة مخيمنا . لا ندري أين نضع اقدامنا رغم المصابيح ، رمل وحجارة ووحل وأشواك وبين القصب والشجيرات الشائكة نتفرق ونجتمع ثم نتفرق . في منعرج بين شجيرات وجدت نفسي منفردا بين القائد رشيد بوزياد وحسينو عبد الوهاب فهمت من كلامهما ان الامر ليلة المغامرات فما كدت استدير للهرب حتى امسكني القائد عبد الحق الفاسي من طرف القميص واقتادوني بين الشجيرات وكتفوني . وجدت عبد العالي الديب قد سبقني بادرني :”حتى انت حصلتي ” شممت راحة غريبة تفوح منه قال بغضب “إيييه راهوم كلسوني على لخ…”ضحكت حتى اغضبه ضحكي ثم استرسل معي في الضحك وهو يردد”والله يلاداروها بنا لمساخط دلقادة”فك احدنا الاخر وانطلقنا مسرعين للمرافق ينظف نفسه وذهبنا للخيمة يغير ثيابه ونحن ندمدم ونتوعد بالانتقام .
وجلسنا في خيمة مظلمة نراقب الأحداث . لم يتبقى غير القليل من الأفراد أنهكهم الجري والبحث والخوف ولم يعدوا قادرين على الحركة وجلسوا وسط الساحة في يأس ينتظرون تطور الأحداث . حتَّى افتضح الامر من طرف بعض الكشافة .لم تنته ليلة المغامرات الا في ساعة متأخرة . تفاجأنا بخروج أختي بوخاتم من خيمتنا حيث اخر مكان نفكر البحث فيه رغم دخول الديب لتغيير ملابسه . كان اكثر المعاقبين في هذه الليلة الكشاف بوفنيشل محمد الفتى المشاكس . لم يمر يوم الا ويعاقب او يبخ كان اول عقاب له من طرف القائد عبد العزيز بوتين في افتتاح المخيم وأمام كل المخيمين ، حيث أوقف القائد عبد العزيز مراسيم تحية العلم كلها عندما أعطى هذا الكشاف امر رفع العلم من بين الصفوف . – امر يعطيه حارس العلم او المكلف بمراسيم تحية العلم لا احد يستطيع العبث بالمراسيم مع عبد العزيز . اذكر يوما انه عاقب شبلين بسبب ترديدهما النشيد الرسمي للجمعية في مرحاض- . في نهاية الليلة والكل خلد للنوم . جاء دور القائد الرفيق فبعد خلوده للنوم بساعة تقريبا قمنا بتكبيله مع سريره وإخراجه من الخيمة وحملناه الى أطراف المخيم بمحاذاة حقل العنب.حيث قضى بقية الليل .في الصباح اراد فقط ان يعرف من وكيف . لم يخبره أحد الا بعد المخيم بأسابيع . في حفل نار المخيم مر في جو منقطع النظير بوجود هذا الكم من القادة المتمرسين . اجتازت مجموعة وطنية من الكشافة والمرشدات مراسيم العهد والصعود ، مرة اخرى أصررت على ان لا اكون معهم رغم اصرارالقادة .
انتهي المخيم لم أتذكر امر ما يجري في فاس الا عندما غادرت المخيم ، وبدأت الأسئلة وتصورات حول أجواء الاحتفالات تدور بذهني أصابني معها القلق وقلة الصبر الى درجة العصبية والسكوت والانزواء عن المجموعة . دخلنا فاس يوم الثلاثاء 2 شتنبر في الساعة الخامسة طلبت من الجميع الإسراع في تفريغ التجهيز وتحميله في سيارة الشحن وانطلقت مباشرة ودون توديع في سيارة أجرة الى باب الكيسة استحممت وازلت ما علق من سواد وغبار الطريق ولبست ثيابي وانطلقت الى مكان العرس بالبطحاء ، لم يكن احد يتوقع حضوري تفاجأوا عندما رأوني ادخل الباب الكبير. فرحت لأني رأيت الفرحة بعيون أهلي خاصة والدي وأمي ، حضرت عرس أختي في اخر ليلة من العرس لم أتكلم عن المخيم ليلتها ولا بعد ايام .كانت أفراح العرس هي الحدث .