احتلت طليعتي المراتب الاولى في التفتيش لمرات متتالية كما فاز جميع أفرادها بالمثالية . كنا مفخرة يضرب بنا المثل في الاستقامة والامتثال والنشاط . نحنُّ الى أناشيد القائد بوخاتم وطريقة ألقاه فنلتحق بالأشبال في حصص أناشيد المساء في الشاطئ او نطلبه الى ركن الطليعة ، وكم مرة اقمنا سهرات بعد سهرة المخيم حتى وقت متأخر في الشاطئ نكملها بحمام بحر ليلي .كان نوعا من الشغب المحروس بمساهمة القادة أنفسهم يتم في سرية تامة وكنا نقابله بالاحترام والانضباط للأوامر . كم مرة نتسلل من الخيمة بعد خلود الجميع للنوم نذهب إلى المطعم ونجلس على السور القصير اما البحر ونتسامر يفاجئنا أحد القادة فيجلس معنا لبعض الوقت ثم يذهب ويتركنا . هكذا مر مخيمنا الى غاية يوم الاثنين غشت يوم سيقلب كل شيء راسا على عقب وما بعده أنشطة نقوم بها على مضض رغم أهميتها ، بدأ اليوم عاديا بمهامه ومتعه في البحر . بعد الغداء وقيلولة قطعتها سفيرة نداء العرفاء التحقنا بالإدارة اخبرنا القائد بضرورة الاستعداد الفوري وارتداء الزي ؛ سنشارك في الاحتفالات الرسمية بذكرى ثورة الملك والشعب في المدينة .
الساعة الثالثة بدأ التحرك جماعات جماعات صوب قصر المهرجانات . قطعنا المسافة بنظام كل وحدة بقاداتها وكانه استعراض حتى دخلنا القصر وشاهدنا العروض الفنية لمجموعات فلكلورية وبعض الجمعيات المخيمة . ساعة ونصف ثم خرجنا نتجول منفردين وحدنا وضربنا موعد اللقاء قرب مكتب البريد . في الوقت المحدد وبعد اكتمال الجمع تقدمت الفرقة النحاسية لفرع مكناس الموكب وتبعتها الفرق الكشفية أشبال مرشدات وكشافة، والقادة على الجنبات يتبعنا باقي الجمعيات الاخرى ، كان موكبا رهيبا أزيد من الف مشارك لم اشهد مثله من قبل من مخيمنا ومن مخيمات اخرى . كنا نردد نشيد موكب الكشاف غطى صوتنا على باقي أصوات الجمعيات الاخرى … ماهي الا لحظات حتى انقطع كل شيء وكثر الصراخ والعويل والعدو . القادة يدفعون الاطفال يمنة ويسره لا يأبهون كيف وأين المهم إبعادهم عن الطريق. شاهدت قائدا يحمل اربعة أشبال ويعدو بهم وآخر يعدو ويصرخ : “أخوي الطريق دغيا سير جبهة الحيط “صراخ وصراخ وعدو وجري وتدافع … لم أعي ما حدث وما يحدث وقفت مكاني كالمصعوق . لم افكر الا في عبد الوهاب وحمزة في مقدمة الموكب ” حمر مستنفرة فرت من قسورة” هكذا كنت اتصورها .اقفز لأرى تارة للخلف عن مصدر الصوت وتارة للامام بحثا عما فعلته المقدمة وانا وسط الطريق . لم اكن استطيع الحراك لسبب واحد اني لا اعرف ماذا يقع. كل ما دار في خلدي ساعتها ان هجوما مسلحا قد وقع من الجزائر القريبة في عيد وطني له دلالاته عند المغاربة ، لم يكتمل هذا السيناريو في خيالي الواسع والغني حتى فوجئت بسيارة من نوع بوجو 404 قادمة من المدينة تتحرك يمنة ويسرة لتفادي الحشود المبعثرة لكن هيهات كانت الأجساد تتطاير كالريش أمامها . زاغت عن الطريق وتوجهت نحو الكشك المتاخم للغابة . صادف خروج القائدة القباج فتحية منه محملة بالمشتريات . رمت ما بيدها عندما فاجأتها السيارة وتعثرت في الرمال شاهدت بأم عيني السيارة وهي تمر فوق جسدها على مستوى الفخذ .حسبتها سحقت لكن عمق الرمال حماها بلطف من الله .لم اكن اعرف هذا حتى رجعت القائدة بسلام بعد يومين. تم أكملت السيارة طريقها بسرعة تحصد كل من بطريقها. كان القادة وأشخاص آخرون يضربون السيارة بما في ايديهم ، مقص، حجارة قنينات، عصي، حقائب يد . ما خشيت منه أكثر السيارات التي انطلقت خلف الهارب سيارتان من فرع مكناس وأخرى محلية تلتها سيارة الدرك كل انطلق بنفس السرعة لكن كانوا قد اجتازوا الموكب وخلت لهم الطريق . لم أدر كيف قطعت الأميال المتبقية لوصول المخيم. دخلنا جماعات متفرقة وليس كوحدات او حتى طلائع .هناك مجموعة اخذت طريق البحر لم نعرف عنهم شيئا الا بعد مرور ساعات .كنا نمشي وكأن على رؤسنا الطير أعين تائهة وشاردة نجر أرجلنا من شدة الصدمة وهول ما رأيت ، لم أتكلم مع احد دخلت خيمتي واستلقيت على الفراش أحسست ان مفاصلي لا زالت ترتعد مما وقع ومن الاخبار التي لم تصل بعد. وكنت متيقنا من هولها ، لم أسمع مناداة الوافدين كل ما اذكر ان حمزة اطل من باب الخيمة وسألني ” يوسف انت هنا ، انت لباس ؟ “أجبت وسألته “إيه لباس فين عبد الوهاب ؟” أجابني ” راه معا كلشي في المطعم لفوق” . سكت ومضى حمزة وقلت بصوت عال ” كلشي ؟؟ محال »!!!
87 3 دقائق