تحدد يوم السفر ، الخميس الثاني من غشت الساعة الثامنة بمحطة القطار ، سبق القائدة انين نور الدين والوالي جمال والبيحياوي بيومين الى المخيم لإعداد المسبق . القائد بوثنين يستقبل الوافدين للمحطة مع باقي القادة . لا زلت اذكر سيارته الزقاء من نوع فورد وما حملت في تلك الرحلة فبالاضافة لعائلته الصغيرة تجهيزات ومعدات فوقها . كانت التجهيزات كثيرة تطلبت مجهودا من طرف الجميع لتحميلها في القطار والذي يتوقف طويلا بسبب تغير المقدمة لحسن الحظ . خيام وأواني الطبخ وكراسي التزيين .كل مجموعة ساهمت ما عدى الاشبال . حرصنا عىى توفير برميلي من الماء وحرصنا على انت تبقى القنينات الفردية مملوءة . وتعودت حركة المحطة ايام السفر بصخبنا وأناشيدنا وتوعد وصراخ القادة .توديع المودعين ودموع الأمهات اللواتي يفارقن أولادهن لأول مرة وصياهن بالاهتمام العناية بأطفالهن . اذكر رد أب على زوجته عندما شاهدها تدرف الدموع على ابنها الذي ينظرها في بكاء . ” خلي الولد يمشي يحْراشْ شي شويا ويعتمد على راسو مع لولاد لوخرين .”
و بدأنا بالتحرك في الساعة العاشرة والنصف ،حسب تقديري لأننا بدأنا نفقد مفهوم التوقيت ساعة وتاريخا ويوما منذ التحقنا بالمحطة وبدأ مخيمنا من فاس في يوم حار وفي قطارنا الخشبي الاخضر المعهود . وبدأت الحماسة والانفعالات لم تكن المقاعد تكفي رغم تزاحمنا و لم نجد مكانا للجلوس لدا جلسنا فوق صناديق التجهيز في الفسحة بين عربتين . نستريح قليلا و سرعان ما نفد الماء المخز ن . ولا ندري كيف . وبدأنا اجتماعا عفويا للطليعة . كان أمر محتملا بين فاس وتازة توقف القطار بها فاسرع القائد الرفيق والقائد بوخاتم وعبئا نصف برميل وعادا ادراجهما بينما القطار بدأ بالتحرك. ولمً يكفي الماء وزاد العطش ببلوغنا المناطق القاحلة والحارة بين تازة ووجدة لم أر مثلها من قبل ولم أكن اعلم ان مثل هذا المشهد بالمغرب . لا نراه الا في أفلام رعاة البقر . حتى قطارنا كان يشبه قطار الرعاة من حيث الشكل والسرعة والنوافذ المفتوحة والغبار المتطاير . حتى شكلنا يشبه شكل الرعاة ،وجوه مسودة بالغبار والعرق وعيون ووجوه محمرة وشعر أشعث يتطاير مع الريح وشفاه جافة بفعل الحرارة وقلة الماء منا من فتح ازرار قميصه ومنا من خلع القميص وجعل منه منشفة للعرق . لكننا احتفظنا بالمنديل . خشينا ان نفقد هويتنا الكشفية ونتيه في هدا القطار المفتوح ابوابا ونوافد .وخمدت الحركة تماما ولم يعد أحد يقوى حتى الكلام ينظر أرى مخاطبة كشبه المغمي عليه من العطش . و دخلنا وجدة نهاية السير وكدنا ننتهي معه عطشا ، لم نحفل بوصولنا الا بعد ان روينا عطشنا وبدأنا نرتب ملابسنا ،وأي ملابس وأي مظهر !!، لحسن الحظ محطة شبه فارغة . وجدنا القادة بوثنين والوالي وأنين في انتظارنا ومعهم الحافلات انطلقت بعد ساعة من كثرة التجهيزات والأمتعة ووصلنا السعيدية عبر طريق ضيق متعرج زاد من محنتنا والسرعة الحلزونية للحافلة مهترأة حملت ما لا تطيق من متاع وبشر . وبدأت نسائم البحر المنعشة تهب عندما اقتربنا . في مدخل المدينة طريقا موازيا للطريق الذي نسير فيه قيل لنا انها الجزائر . وشاهدنا علم الجزائر . وصلت الى أبعد نقطة بالمغرب ، هذا ماقلته مع نفسي ، من خلال ما شاهدته من نافذتي تبين لي انها مدينة صغيرة قطعناها بسرعة ودخلنا طريقا على جنباته أشجار الكاليبتوس شاهقة ثم دخلنا المخيم لم اكن ارى ما يدور حولي كل مما أ ذكر ساحة ومطعم ومطبخ كبير ، حملنا أمتعتنا الشخصية وتوجهنا صوب غابة من الشجيرات تتخللها ساحات مختلفة الحجم كان الليل قد بدأ يعيق تحركاتنا لكن كنا مستعدين ومجهزين بالمصابيح اليدوية وبعد جلب مصابيح كهربائية أكملنا بناء الخيام الخاصة .اخترنا ركن صغيرا يحده من اليمين والخلف شجيرات قصيرة وكثيفة عن الشمال ممر للخيام الاخرى .مساحة لا يتعدا طولها متران وعرضها عرض الخيمة جعلناه ركنا لنا وفي الجهة المقابلة للممر خيمة الاشبال حيث إخوتي عبد الوهاب وحمزة . تناثرت الخيام بين الممرات واصبح المخيم متاهة بما تحمله الكلمة من معنا. كم مرة تهت لكي اصل المرافق الصحية اجد نفسي في الادارة و خلف الساحة او قرب مخيم مجاور كان لفرع مكناس )يلزمه كتاب لوحده هذا الموضوع -. أكملنا بناء خيمتنا في وقت قياسي وتكلف اثنان من مهمة ترتيبها وانطلقنا نساعد القادة في بناء مرافق المخيم خاصة المطبخ الخاص والمطعم . رغم كوننا لم نكن ندري من سيستعمله . اكلنا ونحن شبه وقوف عشاءنا البسي ثم ت أكملنا الاستقرار وخلدنا لنوم عميق حتى الصباح لا ندري متى وكيف نمنا . لو رأنا أحد في ذلك الصباح لحسبنا بضاعة رميت حتى تشابكت اطرافنا . وجدت رأس المكزاري متوسدا فخدي ورجلي على بطن سيمحمد ورأسه على صدر العلمي الذي خلع حذاء رجل وترك الأخرى خارج باب الخيمة . المهم اننا نمنا . يوم الموالي الجمعة 3 غشت استيقظنا على صفيرة القائد لم نكن نعلم من أين ولكن تتبعنا الصوت فقط لنلبي اول نداء تجمع لمخيم السعيدية في ساحة لم تخل بعد من التجهيزات المبعثرة هنا وهناك. يبدو من خلال النداء وتوقيته المبكر ان اجتماعا قياديا عًُقد بينما كنا نغط في نومنا العميق .ولم نمنح فرصة غسل وجوهنا واجتمعنا لأمر لا ينتظر .
القائد يوسف الصقلي