في الاسبوع الموالي قررنا المبيت وقضاء عطلة رأس السنة هناك.وضعنا البرنامج وحددنا الحاجيات الجماعية والفردية والتغذية طلب من كل واحد منا جلب الغطاء و اللباس الكافي تحسبا لليل بارد وجلب كيسين من القنب، كالتي تعبأ فيها قوالب السكر .لم اكن اعلم لم ولم اسأل، قلت مع نفسي ربما للعب او لسبب ما . يوم السبت 30 دجنبر انطلقنا كالمعتاد في الرابعة بعد الزوال . الحافلة ثم السير .وصلنا في حدود السادسة بدأنا بنصب الخيام وتوزعنا كل ستة افراد بخيمة. طلب منا جلب الأكياس وملئها بالتبن لنتخذ منها أفرشة . ذلك كان الغرض من الأكياس .ثلاث خيام وسقيفة بمثابة مطبخ .اوقدنا نارنا لنتدفأ وطهي عشاءنا البسيط جداً – الشعرية بحليب وجبن ونصف خبزة – سهرنا حول النار وابريق من الحجم الكبير فيه شاي اسود حتى اصبح أشبه بالقهوة .رددنا جميع الأناشيد التي نحفظها أتحفنا بوخاتم باناشيد جديدة وأوينا الى الفراش بعد توزيع نوبات الحراسة كانت فترتنا بنسودة وانا الثالثة . وجلست في الخيمة أنتظر نوبة الحراسة . نمت من شدة التعب الذي غلب الخوف من كما سيحذث في نوبة حراستي حتى استيقظت فزعا على صوت أحد يخبرني أن دوري في الحراسة قد حان . لم أكن في حاجة الاستعداد فقد نمت بكامل عدتي .جلسنا قرب النار بنسودة وأنا يحدثني عن تجربته الكشفية ومغامراته لم اسمع ما يقول لشدة الخوف. فمع كل هبة ريح او نعيق بوم او سقوط بدرة صنوبر اقفز واقفا وعصاي بيدي . مرت الساعة طويلة وكانها الليل كله. لم ادري كم مرة سالت فؤاد عن التوقيت . لم تنتهي حتى كنت أوشكت السقوط من شدة الخوف والبرد . في الصباح بعد فطور بسيط بدأنا آنشطتنا المعتادة من جلب للماء من النبع وتحضير وجبات الغداء . دجاج ببطاطس وجزر وسلطة طماطم وبصل .
اثناء الاعداد وجبة الغداء التحقت بنا مجموعة اخرى من الفرع مرشدات كشافة وقادة لقضاء اليوم معنا . تمتعنا بيومنا باللعب والأناشيد وبالخبز الساخن الطري لأن ما تبقى لدينا كان قد ابتل برطوبة الليل . كما تمتعوا بغداءنا بنكهة حطب الصنوبر . في المساء وعندما كنا نطهو العشاء -أرز بالطماطم وقطع من اللحم المفروم جبن وخبز وشاي السهرة بدون نعناع- باغتتنا عاصفة مطرية جربنا معها كل شيء حرصنا على بقاء النار مشتعلة .أكلنا وقوفا بسبب البلل وشدة الريح . انقطع المطر كما بدأ فجأة أكملنا سهرة رأس السنة حول النار نشدوا ونسمع قصصا خرافية وحقيقية عن موغلي عن بادن باول عن مغامرات فردية – لم اكن اعرف شيئا عن بادن باول و علاقته بنا .أطربنا بوخاتم هذه الليلة بنشيد شيخ عجوز وهللي يا رياح … وأناشيد فرنسية dériere chez nous y’a une montagne وفي الاخير النوم عندما يداعب الجفون ختمناه بالعبارة التي غيرنا : نمضي لننام بلكار بدل الخيام. نتذكر فيها ليالينا التى قضيناها في بهو محطة القطار كلما كان المخيم بالهرهوره .وزعنا ساعات الحراسة بالقرعة هذه المرة جاء دوري مع قائد بوخاتم في الاول . ذهب الجميع للنوم وأكملت سهرتي مع القائد والتحق بنا القائد جمال الوالي حتى انتهت مداومتنا دخلت لأنام اذكر اني أيقظت المجموعة كلها لأعرف من صاحب الحراسة الموالي حتى أخد مكانه الدافئ.
هكذا هلت علي سنة وانا تحت خيمة مع الكشافة ولم اكن بعد في مرحلة بشكل رسمي لأني مازلت البس اللون الأزرق الفاتح .في اليوم الموالي ،الاثنين فاتح يناير 1979 مباشرة بعد الغداء جمعنا الخيام ورجعنا قبل تكتل سحاب ينذر بعاصفة مطرية لم تمهلنا الا ساعة فقط . وبدأ مطر غزير لحظة وصولنا محطة الحافلة لحسن الحظ.
مرت عطلة الشتاء كما كنا نسميها وعدنا الى المدارس ومنها الى اجتماعات النادي في يوم الأحد 14 يناير وبينما كنا نتحدث عن الانشطة .و عند مغادرة الدار باغاثني القائد الوالي جمال ” انت الان مع الكشافة إما تختار طليعة او تكون طليعة ديالك وتكون العريف ديالها وختار السمية لي بغيتي ” . هكذا اصبحت كشافا رغما عني وربما عريف طليعة . وتذكرت حفل نار المخيم ومراسيم حفل الصعود .قطعت الطريق بين النادي والمنزل وأنا اتحسر عن حظي .
مر ثلاث أسابيع لم احضر اجتماعات الأحد وكنت أتحاشى لقاء القادة خاصة الوالي جمال وبوخاتم ادريس بالثانوية ، كنت رافضا فكرة الانتقال فكيف بفكرة العرافة. كيف ساقف في صف واحد في الامام مع فؤاد بنسودة وكنون وغيرهم ؟ لكن في الاسبوع الرابع وجدت نفسي عريفا رغم عني فقد اختارني اصدقائي القدامى في السرب والذين سبقوني للكتيبة في الهرهورة من بينهم المكزاري والسليماني ، وأخرون جدد . هكذا اصبحت كشافا وعريفا دفعة واحدة وذون مراسيم .كما اختاروا حتى اسم الطليعة – الغزال — قلت معقباً بسخرية على هذه التسمية ” غداً سيأكل الاسد والفهد والنمر كل الغزال ” ، وكنت اعني طليعة بنسودة – الاسد – وطليعة كنون – الفهد – والنمر طليعة المسكيني … حددنا برنامجا خاصا بنا للقاءات والخرجات حسب جدول العام المشترك .
ق. يوسف الصقلي