لكم كنا سعداء حينما سنحت لنا الفرصة المشاركة في المخيمات الصيفية سنة 1976 عن طريق مخيمات المدرسية ، اقترح مدير المدرسة اسمي مع لائحة المستفيدين العشرة لمدرسة درب العامر التي كنت أدرس بها ، اول مخيم بمدينة طنجة حيث كانت قيمة المساهمة 20 درهما ومدة التخييم 21 يوما. مخبما عاديا جدا، أنشطة عادية في الشاطئ والسباحة صباحا والجولات في المدينة مساء . برنامج ممل إلا من ألعاب بسيطة لكنها كانت جديدة بالنسبة لنا ، وأول سنة أسافر دون عائلتي ، لازلت اذكر اسم مدرسة حسان بن ثابت في احدى عقبات طنجة ، ولا زلت اذكر ذلك الصف الطويل النازل والصاعد صباحا من والى الشاطئ وفي المساء الى وسط المدينة وأزقتها جولة تطول وتقصر ويحدد اتجاها المدرب السي فؤاد دون هدف معين . لكن السنة الموالية قرر والدي ان يرسلني مع جماعة اخرى ،جمعية كشفية سمعت عنها لاول مرة ،خاصة وأن أبناء عمتي سيذهبون ايضا ، مقرها بدار الشباب البطحاء ، لأول مرة اسمع ان للشباب دار . كانت البداية والتي لا زلت أتذكرها بأدق تفاصيلها . ذهبنا أنا وعمر والطيب ورشيد أبناء عمتي. وجدت نفسي في عالم آخر .مجموعات مبعثرة في كل اركان تلك الدار . جلست على مسطبة اسمنتيه عن يمين المدخل اراقب في استغراب هذه الحركات والتي لم اعهدها من قبل .اسمع اناشيد تنبعث من الطابق العلوي اعطاها صدى الجدران السميكة نغما يتموج . بينما لا زالت تتوافد مجموعات من الأطفال ، ينتقلون بين قاعات يبحثون عن اصدقاءهم .ومنهم من يستقبلهم اشخاص يرشدونهم حيث المجموعات المنتمين اليها . استقبلنا رجل بإبتسامة عريضة .اتضح لي في ما بعد انه المسؤول عن هذه الجمعية .كان معلما مع ابنت عمتي وهو من اقترح عليها تسجيلنا لهذا المخيم . سجلني في دفتر كبير وأحالني على مجموعة تجلس في قبو كبير بسقف منخفض . فرقتي الاولى وأصدقائي الجدد .كان هناك عناصر سبق لهم المشاركة والتخييم بدؤوا يحكون تجاربهم ومغامراتهم وكيفية تشكيل فرقهم حسب نظام معين )السداسية( وكيف للسداسي اختيار أعضاءها واستمرارها على طول السنة . واذكر ان قائد السرب زودنا نحن الجدد بمطويات أغرتنا بصورها اكثر من الجمل المكتوبة ، وريقات مطوية برسومات يدوية وخط يد جميل . دامت مدة الاستعدادات للمخيم شهرا وستة ايام كانت لقاءاتنا شبه يومية .وبدأت رحلة البحث عن اغراض المخيم ،خاصة بدلة موحدة بمواصفات محددة يقال لها الزي .في أسواق المدينة لم يكن المشكل في السروال القصير الازرق لكن في القميص المميز بلونه وشكله ومواصفاته ، طرحنا بتفكيرنا الطفولي عدة احتمالات كلها تعطي نتيجة عدم مطابقتها للمواصفات اما من حيث اللون او أشرطة الكتف او غطاء الجيب الصدري فاهتدينا في الاخير الى دفع الثوب لخياط في حي قنطرة بوروس -، مفترق الطرق بين الشرابليين وفران كويشة ،مع إلتزامه بتطبيق المواصفات ،وصلت تكلفته 25 درهما، حقا كان بارعا . هكذا حصلت على أول بذلة كشفية وتكلف الفرع بالمنديل البرتقالي .خمسة دراهم لقطعة قماش مثلث الشكل يبرم ويعلق حول الرقبة .منظر أحالني على افلام رعاة البقر .في اول تجربة لحمله حول عنقي وضعته مقلوبا وعقدته عقدة عجزت عن فكها .ضل مربوطا واطرافه ارتفعت حتى كادت تصل لكتفي .استغرق ابن عمتي مدة في فك العقدة .تم علمني احدهم كيفية عقده على الطريقة الكشفية .اذكر انه مازحني وهو يعقده امامي :”انت عقدتي العقدة ديال الحمالة مشي ديال الكشافة “.كم كان جميلا – رغم خشونة الملمس والرسم الأخضر في زاويته وحاشيته المطرزة .
جاء يوم السفر الساعة الثامنة صباحا بمحطة القطار، لم نكن الوحيدين ، كانت تعج بالأطفال وكأن المدينة كلها قد جمعت اطفالها في هذه النقطة . كان عدد أفراد فرع فاس يفوق المئة والخمسون اشبالا وكشافة ومرشدات ظهر مجموعتنا صغيرة في هذا المكان . دخل القطار المحطة متأخرا بساعتين تقريبا . وتخيلوا حال القادة لضبط أفرادهم وسط هذا العدد الهائل من الاطفال والإباء والأقارب والمسافرين العاديين. وحر فاس في هذه الفترة وكمية التجهيزات من مطبخ وتزين وأدوات وأمتعة .جاءت ساعة الصفر واكتشفنا ان القطار كله خاص بالمخيمين فقط. انطلق من مدينة وجدة وسيقل المخيمين الى إيفران، طنجة، الرباط والجديدة . لم يتحرك إلا بعد ساعة ونصف من الانتظار من ذلك اليوم . الثلاثاء 12 يوليوز 1977 الساعة 1.35تحرك القطار اختلطت الأناشيد بالصيحات بعبارات توديع الأمهات والآباء .منظر لم أشهده سابقا في المخيمات السابقة ، حيت كانت الحافلات الثلاث تنقلنا في صمت من مقر نيابة التعليم في الصباح الباكر. مرت الرحلة في التنقلات بين مقصورات العربة والقفز على الكراسي الخشبية والممرات للدرجة الرابعة لقطار بنوافذه المفتوحة حيث الهواء المندفع والساخن يزيد من حدة الحر . كما كانت ندرة الماء تزيد التوتر والارتخاء لأن القادة انشغلوا بسلامة الأفراد والأمتعة والتجهيزات لدرجة انهم نسوا توفير الماء للأطفال. حتى الكميات المتوفرة والفردية استنزفت بطول الانتظار ومدة وقوف القطار في كل محطة. ففي مكناس لمدة ساعة تقريبا لإنزال المخيمين في إيفران وصعود المتجهين الى طنجة او المهدية او الهرهورة او الحوزية — لاول مرة سمعت عن هذه الاماكن في هذا القطار العجيب والطويل – كذلك الشأن في كل من سيدي قاسم والقنيطرة وسلا . دامت مدت الرحلة أزيد من ست ساعات امتزجت فيها الانسجام والخلافات و الصداقات والعداوات والأوامر والنواهي والوعيد والتهديد لكن وصلنا في الساعة السابعة تقريبا ولفظ القطار اغلب حمولته المتبقية إلا من جماعة صغيرة .انتظرنا مجيء الحافلات التي ستنقلنا الى المخيم . تحركات غربية للقادة أكدت أن في الامر عائق . انفعالات وتدمر واتضح في النهاية ان الحافلات لن تأتي وان علينا قضاء الليلة في المحطة وانه كان علينا النزول في محطة تمارة حيث الحافلات كانت تنتظر …
كانت محطة الرباط تتوفر على بهو خلفي على يمين المحطة من ناحية مجلس النواب . سمح لنا باستغلاله حتى الصباح . بدا الجوع يدب الى بطوننا لأننا كنا منشغلين عنه بالأحداث التي وقعت اثناء الرحلة .زال التعب وحل محله الاسترخاء باختلاف المناخ من جاف حار الى رطب ومنعش ساحلي .كما ان ما تزودنا به من بيوتنا ذهب كله في القطار لاكتساب ود الأصدقاء وإظهار الكرم الطفولي . أول ليلة كشفية لي في محطة القطار وأول عشاء لي نصف خبز و قطعة جبن وكاس حليب .
من اليوم الاول اتضحت معالم المستقبل مع الكشفية ، مغامرات خشونة العيش وشظفه ، لم أعره اهتماما يومها حسبته أمرا طارئ لكنه كان طبيعة عشتها في ما سيأتي بعد أول يوم .
لم ننم تلك الليل الا قليلا .أبهرتنا اول ليلة لنا في الشارع ، نعم في الشارع العام وتحت سقيفة محطة قطار. لكن في العاصمة وفي قلبها . مرت كلها في اجتماعات للسرب او السداسيات في محاولة لضبط انفعالنا واندفاعنا الطفولي . وفي محاولة لجعل الكل رقيبا على الكل .ونجحت المحاولة فلم ننتقل فرادا بل جماعات . شغلنا أنفسنا في لعب ألعاب بسيطة كالورق أو الضامة رسمناها بقطعة جبس على الارض واتخذنا من سدادات قنينات الصودا المنتشرة في الأرضية بيادق . عندما نمل اللعب نتقبض السياج ونضع رؤوسنا بين القضبان ونراقب حركة المرور التي انقطعت تقريبا بعد منتصف الليل .نعاند النوم حتى لا تفوتنا مثل هذه اللحظات ،وشيء من الخوف . وبدأت حركة المتشردين ورواد اللَّيْل ، وما أكثرهم في مثل هذا الشارع وهذه المحطة وهذا الفصل .اتمدد على لحافي متخذا حقبتي وسادة وأغفو قليلا من شدة السهر والتعب لكن هدير القطار يوقظنا جميعا .نقفز من شدة صفيره في سكون هذا الليل . تتبعت لاول مرة نهاية ليل ودخول نهار .شاهدت اول شروق للشمس وولادة يوم جديد وكيف تستيقظ مدينة باسرها .حركة تتصاعد مع تصاعد ضوء النهار . في الساعة السابعة والنصف وقفت الحافلات كان معظمنا لم يحزم أمتعته بعد لكن استطعنا الانطلاق في نصف ساعة ودخلنا المخيم في الثامنة والنصف.
مخيم الهرهورة غابة صنوبرية رملية أشجارها حديثة مقارنة مع صنوبر الاطلس تفرز صمغا يلتصق بالملابس وبالجلد. يكون في الاول شفافا ثم يسود بفعل الغبار ويصعب إزالته بالغسل العادي، بل يحتاج الى ماء ساخن وقليل من الزبدة . مخيمنا ساحة كبيرة ومطعم مغطا بقماش الخيام الأزرق والأخضر وطاولات وكراسي خشبة أعطوها اسم “شارلو ” لكن حجم المطعم لم يكن يكفي الجميع . مطبخ صغير ومرافق صحية . تحتاج إلى ورش لتصبح صالحة للاستعمال .ورشاشات في الهواء الطلق . خيام السرب في واجهة الساحة وخلفها باقي الخيام وعلى يسار المدخل مباشرة الادارة وخيمة القادة في نفس الوقت.وممر رئيسي يؤدي الى المخيمات الأخرى والساحة العامة . عمود حديدي طويل يحمل العلم ومحاط بحجارة طليت بالجير الأبيض على شكل دائرة . ينتهي المخيم بمباني إكتشفت فيما بعد انها منامات وقاعات. يمتد الممر عبر الغابة في اتجاه مركز الهرهورة . لا يفصل المخيم عن الطريق العام الا حزام أشجار وسور حجري قصير محاذاة الطريق ، وسور أخر متاخم للغابة .
مر اليوم في اعادة ترتيب الخيام وتنظيف المكان من مخلفات المخيمين السابقين . وما أكثر ما خلفوا ،بقايا خبز ،ملابس وأواني مكسرة وأوراق وعلب معدنية . لم ننتهي من تنظيفها الا بمشقة وجهد وشكلت كومة هائلة . بعدها اعادة توزيع الأفرشة وترتيبها في الخيام لا أذكر كيف مر الغداء ولا المساء. أذكر إني خلدت للنوم باكرا، ليلتي الاولى دون 9عشاء من شدة تعب الليلة السابقة وبقية اليوم . في الصباح الموالي بدأنا الاستقرار وترتيب الأركان واخراج الأمتعة وانشغل القادة بالتزيين . وتمت المناداة علينا و استعداد للنزول الى البحر، الأشبال فقط .تركنا ما في أيدينا وعدونا ونحن نخلع ملابسنا ولم نصل الخيمة بعد ..كنا وقوفا والفوط حول رقابنا في وقت قياسي والقائد المنادي لم يبرح مكانه . نراقب تدمر الآخرين الذين حرموا من الشاطئ وخاصة الكشافة مما أثار استياءهم وغصبهم .
خرجنا من المخيم وعرجنا عن يسارنا بعد مئة متر تقريبا اجتزنا الطريق بمساعد الدرك لخطورة الممر وكثرة حركة السير . مررنا عبر بيوت تم مقهى )ميرا مار( ووصلنا الشاطئ . لم تكن المرة الاولى التي ارى فيها البحر و السباحة فيه لكني اكتشفت ان الشواطئ لا تتشابه وأنها ليست رمال وماء فقط كما هو الحال بطنجة أو الشواطئ التي زرتها مع اسرتي . رمال ناعمة ومياه دافئة وهادئة. شاطئ الهرهورة مياه باردة ورمال خشنة وصخور حادة تحت الماء وإبر بنية مؤلمة. اكتشفت هذا في اول غطس- وآخر غطس لي مع شاطئ الهرهورة .في اول ارتماءة احسست ألما في بطني وعندما وقفت لأنظر ما الامر احسست في وخز اسفل قدمي . خرجت مسرعإلى لأرى جرحا وسط بطني ينزف بطول خمس سنتمترات وأربع إبر تطل من باطن قدمي بنية إنكسرت عندما حاولت إخراجها .لم ينتبه احد لما حصل رجعت مكاني على الرمل أخدت قميصي امسح به الدم . زادت شدة الألم بسبب ملوحة البحر . أذكر ان القائد فؤاد المسكيني أمدني بالماء وطلب انتظار صعود الجميع للمخيم . امر لم أنفذه بالطبع . كيف والكل يتمتع بالماء واللعب .ما كادت حدة الألم تقل حتى لحقت بأصدقائي في الماء وانا أعرج وانط . رفعت ثُبّاتي فوق مستوى الجرح وأمشي على كعبي حتى لا أتألم من وخز الإبر المكسرة في باطن القدم . كما تحملت الملح في جرحي . في المخيم تم تطهير الجرح واخراج إبر قنفذ البحر بواسطة إبرة خياطة وملقط صغير . كنت أفضل بقاءها على الألم الذي صاحب قلعها حتى الدم . تعرفت على هذا المخلوق العجيب طيلة مرحلة المخيم ومخيم السنة الموالية .أصبحت اتقن اصطياده وخلع شوكه والاحتفاظ بقوقعته .أبحت عنه في تجويفات الصخر والبرك عند الجزر .حملت منها الكثير ومن كل الاحجام الى فاس .
في القيلولة شب خلاف بين افراد السداسية كاد يتحول الى عراك لولا تدخل القائد . خلاف سيغير مرتبتي داخل السداسية. وصل الخبر بان سداسية الرمادي احتلت المرتبة قبل الاخيرة في تفتيش الأركان الاول في المخيم . كان سريعا وعلى حين غرة . فصب الجميع غضبهم على السداسي وتحميله مسؤولية النتيجة لعدم خبرته والاستبداد برأيه فاقترحنا تغير السداسي وتقديم سداسي جديد . كانت الامور جدية وكان رغم السن لا زلت استغرب منها الان … ولا ادري كيف ولماذا اتفق الجميع أن آخذ أنا هذه المسؤولية وسيوصلون اختيارهم لقائد السرب وتعيني رسميا من طرف المندوب غدا في تحية العلم وتسليمي لواء سداسية الرمادي . لأني في نظرهم شاركت في مخيمات . اي مخيمات !؟ كلها مخيمين مدرسين لا علاقة لهما بمخيم الكشفية هذا …. هكذا أصبحت سداسيا وعمري في الكشفية وفي التجربة ثلاثة ايام فقط … كان فخرا وقتها وكانت نشوة ان اكون سداسي سيقود هذه الفرقة سامشي في المقدمة سأقدم صيحة الرمادي امام الجميع والتحية التي تعلمتها من قبل ولا ادري لا مغزاها ولا معناها ….
نفس الهرهورة نفس السنة نفس الصيف لكن ليس نفس الشخص ، الأمس شبل عادي لم يمر على انخراطه الا شهران ونصف لكنه الان سداسي يترأس خمسة اشبال وسط سربين من فرع فاس وسرب من فرع اخر لم اعد اذكر من أين . سنتنافس جميعا . اذكر أني كنت اول من استيقظ يومها وعمل على إيقاظ باقي السداسية والسداسية الاخرى التي تقاسمنا الخيمة. شرعنا مباشرة في ترتيب الخيمة وتنظيف جنباتها ، لم يتم المناداة على وجبة الفطور حتى كان كل شيء على أتم حال لم يبقى سوى وضع ترتيبات الاستقبال والتنشيط والمظهر الشخصي — الزي النظافة — باشرنها مع سداسية الأحمر كان سداسيها متعاونا وطموحا هو الاخر وأفرادها منسجمين لانها تكونت في السنة الماضية وضلت متماسكة حتي السنة الموالية. كان يقتضي التفتيش ان يتكلف كل قائد بمهمة معينة . قائد للنظافة وآخر للاستقبال والتنشيط وآخر المظهر العام للخيمة . كان الجميع يخشى القائد أنين نور الدين لصرامته ودقته في تأدية مهمته . مر كل شيء كما خططنا له النظافة الاستقبال الهندام ماعدا شيء واحد . اثناء تفتيش الحقائب من طرف القائد أنين عثر على قطعة خبز في حقيبة و فوطة مرتبة لكن مبتلة في حقيبة اخرى . كنت ساعتها اعتبر الامر عاديا وليس مؤثرا علي نتائج التفتيش. لكن حركة السداسي الاخر ابانت لي عكس ذلك وسيظهر ذلك غدا أمر آخر ميز ذلك اليوم . عنذ استقبال لجنة التفتيش ارتبكت حتى نسيت اسم السداسية وصحت بالرد بأعلى صوتي “قاتم ” . والغريب ان باقي السداسية ردت تلقائيا ” قاتم ” تداركت الخطأ في الثانية والثالثة . بعد تحية العلم نزلت علينا المفاجأة كالصاعقة اذكر أني اجهشت بالبكاء وكذلك افراد السداسية كنت أنا صاحب الفوطة وكان لغزاوي محمد صاحب الخبز . في الشاطئ طلبت النصيحة من القائد فؤاد المسكيني مباشرة الذي نصحني بابتكار طريقة لحفظ الفوط والملابس المبتلة والمتسخة والأواني والأحذية وعدم الاحتفاظ بها في الخيمة لكن دون ان يعطيني اي فكرة . وجاءتني فكرة رايتها في معمل النجارة : . يوم الجمعة كان الحمالة يجففون ملابسهم على ادراج سلم خشبي يحملونه خارج المعمل لعدم وجود مكان اخر لتجفيفها . كنت اضحك حينها من الطريق لكني قررت ان أنفذها هنا في الهرهورة . الأشجار متوفرة كذلك أغصان يابسة ما ينقصني حبل وطريقة العقدة سرعان ما وجدت المساعدة من طرف قائد الكشافة الوالي جمال . في اليوم الموالي كان كل شئ على احسن حال وزادت فرحتنا في ساحة العلم حين احتلت السداسية المرتبة الثانية وراء سداسية الأبيض التي كان يرأسها منير الميسكيني اخو القائد فؤاد.
مرت السبعة عشر يوما على هذا المنوال صراعات من اجل التميز والفوز على باقي السداسيات . كل يبدل مجهوده ليحقق الفوز الذي لم يكن شيئا ماديا اكثر منه معنوي لم تكن هناك جوائز لم تكن هناك شارات ولا أوسمة – كانت شبه منعدمة الا من شارات معدنية يحملها بعض القادة – لكن كان هناك الأهم والابقى في الذاكرة لمدة طويلة . في الحفل الختامي كان التنويه الذي وصل الى حد المدح امام كل المخيمات والحضور ، كان التنويه بالسداسية الفائزة سداسية الأحمر وبسداسية الرمادي التي احتلت الرتبة الثانية رغم حداثة سداسيها يوسف السقلي — لم اخطأ اسمي ولكن كان يكتب وينطق دائما هكذا– قدم الفائزون صيحة النصر كادت حناجرنا تنفجر بالصياح لنثبت استحقاق الفوز.
السابعة صباحا استيقظنا كما العادة لكن هذه المرة لحزم امتعتنا استعدادا للرحيل لم تكن الحماسة المعهودة . كان الجميع يرفض برنامج هذا اليوم لكن علينا تنفيذه كل فرد يعبر بطريقته. منا من يتماطل في جمع اغراضه ومنا من جمعها بحشوها في حقبته وجلس عليها ليستفيد مما تبقى من الوقت . ومنا من لم يطق الكلام مع الآخرين . غادرنا المخيم في الحادية عشر الى محطة القطار تمارة ولم يتحرك القطار الا على الساعة الثانيةوالنصف واستقبلتنا فاس في السادسة بحرها وكان المنظر كما يوم الانطلاق . صياح وعناق وتوديع و بكاء لكن ليس كما في 12 يوليوز 1977 المواقف تبدلت والأحداث قد غيرت الاشخاص على الاقل شخص واحد . خاطبنا القائد فؤاد قائلا: من أراد ان يشارك في المرحلة الموالية في ايموزار عليه ان يحضر غدا الى دار الشباب في الرابعة فهناك مقاعد شاغرة . وانصرف الجميع…
ق يوسف الصقلي